مالية الكنيسة

الموضة هذه الأيام التساؤل عن تمويل الكنيسة.

مِن أين تأتي الكنيسة بالمال؟ مَن يدفع؟ كم هو المدخول؟ هل يكفي؟ ومَن يسدد النقص؟ ... إلى ما هنالك مِن استفسارات لا تعني بشيء معظم مَن يسألونها، إلا التدخل بما لا يعنيهم، أو تحريض البعض للبعض الآخر ليكونوا أداة في هذا الإزعاج.

والبعض اعتبر نفسه "فهلويا" حيث أنه "حسبها" بالعقل كما يظن نفسه ووجد المعادلة غير متجانسة الطرفين: كيف لقلة من الناس تمويل كنيسة؟ بمعنى تسديد احتياجاتها وإعالة راعيها.

والجواب مِن قِبَل "الفهلوي": لا يمكن.

والجواب مِن قِبَلنا: نعم يمكن، لكنه ليس سهلا!

ولدينا سببين لاعتقادنا هذا على الأقل:

الأول يتعلق بمفهوم ومقدار العطاء. فمعظم الكنائس الإنجيلية تتبنى ما علَّمه الكتاب المقدس مِن الالتزام بالعشور، بمعنى أنْ يدفع عضو الكنيسة عشراً مِن مدخوله اليومي أو الأسبوعي أو الشهري أو السنوي، كتقدمة للكنيسة واعانة لخدماتها، هذا ما عدا التقدمات – المالية – التي يشعرون أنهم يريدون أنْ يساهموا بها لأجل حاجات محددة وفي أوقات معينة.

وهذا نابع مِن فهمنا أنَّ الكنيسة ليست تجمعاً لمجموعة من الناس تحضر مِنْ أَحَدٍ لأَحَد، أو من وقت لآخر، لتتفرج على ما يجري، ثم تعود إلى بيتها. كذلك ليست تجمعاً لمجموعة مِنَ الناس الذين انتموا إليها وهم محسوبون عليها شاء الآخرون أم لم يشاؤوا، تغيرت الأحوال أم لم تتغير، تبدل الزمن أم لم يتبدل.

كلا، ليست الكنيسة هكذا!

الكنيسة مجموعة من الناس الذين التزموا من كل قلوبهم وعقولهم بمحبة الرب وخدمته، ولهذا لا يكتفون بالحضور والتصفيق عند اللزوم، بل يدفعون من أموالهم – مما يعتاشون به – لأجل نُموّ واستمرار وتقوية الكنيسة، وعند اللزوم هم أنفسهم يشاركون بالخدمة ويحملون أعباءها بشتى الأشكال.

إنَّ أولئك الذين اعتادوا أو يعتقدون أنَّ مسؤولية المؤمنين أن يحضروا إلى قاعة الكنيسة ويملأوا المقاعد فيها، والكنيسة كمؤسسة مسؤوليتها إعالة نفسها، يرتكبون خطأ كبيرا في فهم الكنيسة "كجماعة حية":

حية كجماعة

وحية كأفراد.

لهذا ترى أنَّ بعض أعضاء الكنيسة – الأعضاء الحقيقيين – يلتزمون بعشورهم وتقدماتهم حتى في غربتهم المؤقتة أو الدائمة حول العالم. فتراهم يواظبون على دفع ما يشعرون أنه واجبهم المالي نحو كنيستهم بالرغم من المسافة الكبيرة التي باتت تفصلها عنهم.

أمّا السبب الثاني فيتعلق بأزمة فهم وتطبيق "الوَقْف". فبناءً على مفهوم ومقدار العطاء، يصبح ما يسمى بالوَقْف بأيِّ شكل مِن أشكاله، سيف ذو حدين، إذْ مِن اليسير أن يُستخدم كأداة لبناء الكنيسة واستمرار حياتها وحيوتها، بمقدار ما أنَّه مِن اليسير أن يُستخدم كأداة لنوم الكنيسة وانعدام حيوتها.

لقد استسلمت كثير من الكنائس لأمان كاذب متعلق بأوقافها، فأهملت مساهمات أعضائهما المالية، وأهملت الحضور الفاعل لهم، وتحوّلت إلى مؤسسة مستقلة عن أي احتياج لهم، إذْ بامكانها أنْ تقوم بالمشروع – مادي أو روحي – الذي ترغب به بغض النظر عن تدخل أعضائها.

وأنا هنا لا أشير إلى طائفة معينة، بل أي كنيسة – فكروا بكنائسكم أنتم الذين تقرأون هذه المقالة، أو تتندرون بقضية مالية بعض الكنائس الإنجيلية:

كم يحضر موعد الصلاة في كنيستكم مِنْ مُجمل مَنْ يُعتَبرون أعضاء في الكنيسة؟ ولماذا لا يحضرون؟

إن السبب بسيط: إمّا أنهم فقدوا حيوية الإيمان أو ربما لم يحصلوا عليها بالأساس، أو أنهم ركنوا إلى سحر الوَقْف، وما يَدرُّ على الكنيسة – المؤسسة من مال، يُغنيها عنهم إلا في المناسبات الخاصة.

هل فكرتم أيها المسيحيون كيف مَوَّل المسيحيون الأوائل أنفسهم، على الأقل لثلاثة قرون؟ هل فكرتم كيف دفعوا تكاليف سفر المُرسَلِين الأوائل، مثل بولس وبطرس وسواهم؟ هل فكرتم كيف أعانوا خدام الكنيسة بينهم، بينما كانت تتزايد عليهم أعباء الخدمة؟

طبعا ليس بالوَقْف! وطبعا ليس مِن مصادر مشبوهة!

كان مصدراً واحداً هو: "وأمّا من جهة الجمع لأجل القديسين فكما أوصيت كنائس غلاطية هكذا افعلوا أنتم أيضا، في كل أول أسبوع ليضع كل واحد منكم عنده، خازنا ما تيسّر حتى إذا جئت لا يكون جمع حينئذ" (1كورنثوس 16/1-2).

حلب 7 تشرين1 2010

 

Write a comment

Comments: 0