أنا الحقير

لفتت انتباهي دعايات بعض المؤتمرات الدينية وبعض النشاطات الروحية، وأدهشتني المبارزة في وضع الألقاب والأوصاف أمام أسماء ضيوف المؤتمر، أو إن شئتم "خدام الإنجيل". وسألت نفسي أين ستصل هذه المبارزة بالألقاب والأوصاف؟ فإذا كان امتيازك أن تستمع لواعظ يتميز بأنه وعظ بالانجيل في خمس قارات – حسب أحد الاعلانات - فماذا ستكون ميزته السنة القادمة أو ميزة غيره عليه؟ أن يكون قد وعظ في القطب الجنوبي مثلا أو في المحيط الهادي؟

كم كانت تعجبني – وما تزال – الطريقة الانجيلية في تلقيب خدام الانجيل بأحد لقبين "أخ" أو "قسيس"! فهو راعي كنيسة لقبه قسيس، وإذا صار رئيسا للطائفة، فهو قسيس، وإذا ترأس إحدى مؤسسات الكنيسة أو الطائفة، ولو كانت المؤسسة على مستوى البلد كله، فهو قسيس! وإذا درّس في كلية اللاهوت، فيبقى قسيس، وإذا تحول إلى واعظ متجول يبقى أيضا قسيس! فماذا جرى حتى بات خدام الانجيل يحتاجون إلى "جملة" من الأوصاف تسبق اسماءهم قبل كل تعريف أو إعلان عنهم؟

هل المشكلة في الشعب الذي يحب في كل مرة أمرا أكثر تميزا عن المرة السابقة؟ أم المشكلة في أولئك الخدام الذين بات لقب "قسيس" أو "واعظ" أو "خادم الانجيل" صغيرا لا يلبي تميزهم ولا يخدم فرادتهم ولا يبهر مستقبليهم؟

عندما كنت أقرأ إعلان أحد النشاطات الروحية، تذكرت أول مرة - وذلك منذ سنوات عديدة - وقع بيدي كتاب كان ألّفه أحد الكهنة، وكتب اسمه هكذا: الحقير فلان الفلاني! أذكر كم ضحكت وكم استهزأت من هذا المريض الذي يلقب نفسه بـ "الحقير". لكنني فيما بعد، وحتما الآن، شعرت بتقدير كبير لذلك الرجل، ولكل الذين كانوا في ذلك العصر يلوّنون أسماءهم بهذا اللقب "الوضيع".

نعم، ربما وضعه تملقا وتزلفا، ولكنه رضي أن يضعه بدون أية إضافة أو شرح أو توضيح، وبدون أي تلوين آخر لنفسه أو إظهارا لشهاداته، "الحقير"!

هل هذا تطرف؟ ربما. لكنه تطرف نحو البساطة والتواضع، يفسح بالمجال للفخر أو التكريم أو المدح مِن قِبَل الآخرين، وهو أعظم من تطرف "البروظة" والتباهي والتميز، يوقع الناس بحيرة وإرتباك في البحث عن أسلوب للمدح والتكريم. ألا يشبه هذا قول الرب عن إكرامك لنفسك مقابل إكرام الناس لك؟

فليس خفيا على أحد، أن الشهادات الكبيرة لا تصنع واعظا مميزا ولا مرنما فريدا. وأن الألقاب مهما تميزت، كبرت أو صغرت، لا يمكنها أن تنقل كلمة الرب أو تحدث تأثيرات في حياة وفكر المتلقين. إنما افساح المجال للروح القدس ليعمل في متكلم يخشى الوقوف دونه، وفي متلقٍ يرجو حضوره وعمله.

الحقير منير العجي

 

كالغري 18 تموز 2015