الآشوريون إلى المتحف

لم يُنصفهم أحد منذ المملكة العباسية المشؤومة، التي أكرمَهم فيها بعض ملوكها لمصالح شخصية جداً تتعلق بأمراض مستعصية عَرَف سرَّ دوائها أطباؤهم، أو لإدمان على شراب أو جنس أو قلة أخلاق، عالجهم منها حكماؤهم.

أمّا كلّ ما عدا ذلك، فألم، ضيق، تنكيل، تهجير، قتل، تخوين واغتصاب.

بل حتى في مذابح العثمانيين ظُلِموا مرتين، مرة بالذبح والتهجير وسَلْب الأملاك، ومرة في نسيان هذه المرارة مِن قِبَل القاصي والداني!

وأكملت عليهم الدول القومية التي وَلَّدت العروبة، ونصَّبَتها إلـهـاً للسياسية والدين، فتجمّدت لغتهم الأقدم بين لغات المنطقة، وتقلّصت أعدادهم لتصبح الأقلّ في المنطقة، وطُمِس تراثهم حتى بات غريباً بين عربان المنطقة.

أما اليوم، مع وحوش جزيرة العرب، وبعد كل ّالقتل والسلخ وبيع البشر والتهجير، وهدم الكنائس الأثرية، فالآشوريون يذهب ما بقي منهم إلى المتحف. بعد اليوم، ستضم بعض متاحف العالم بقايا رموز أمّة كانت السباقة في تمليك نفسها للمسيح، مكرسة لغتها لمجده، وشبابها لإرساليته.

بعض بقايا بشرية شبه حية ستوضع في بعض متاحف العالم.

بعض بقايا لغة كانت تاجاً للغات ستوضع في بعض متاحف العالم.

بعض بقايا تراث ودبكات وصورة شمس وأسد مجنح، ستوضع في بعض متاحف العالم.

وستبقى الشهرة لِحِمَار مُجنّح، رَكِبَه مرة إنسان بلا عقل، غارقاً في أحلام الصعود إلى الغيوم.

وستبقى الحضارات التي رَضَعَت أُسس بنائها مِن ثديي هذه الأمّة العريقة، وستبقى الشعوب التي وَصَلَها خَبَر المسيح مِن حناجر أمّة وَهَبَت نفسها للبشارة. لكنّها حضارات وشعوب سلخت عن نفسها الأخلاق، ونَسِيَت أمّها، وتخلّت عن أخلاقها، وهي تراقب اندثار بقايا أمة وحضارة، لتتلَقَّف بعض ما سيبقى منها لتضعه في بعض متاحف العالم.

يَعبُر المسيح اليوم في تل تمر وقراها ويبكي عليها كما بكى على أورشليم مرة، يبكي على شعب يُقتلع مِن أرض لم يستطع اقتلاعه منها كلّ غزاة المسليمن عبر كل تاريخهم.

قلبي يبكي عليكِ يا أمة، تفرح بعض متاحف العالم لأن بقاياك ستملأ بعض خزائنه ورفوفه الفارغة.

كالغري 23 شباط 2015