تأملات حمار

ما زلت مندهشا من هذه الحيوانات التي لا تعاشر أحد!

فهي تنتمي لعائلات كثيرة، وأفراد كل عائلة متشابهة تماما كأنها توائم، لكنها مع هذا لا تلتقي ولا تتحادث ولا تلاعب بعضها البعض، ولا أي شكل من أشكال التواصل كما نفعل نحن أو الحيوانات الأخرى.

عجيب شكلها، فمها كبير جدا، ولكن نادرا ما تفتحه، مؤخرتها كبيرة جدا لكنها تفتحها أكثر مما تفتح فمها، أليس غريبا! بل ومن الغريب أيضا، أن صاحبها كلما أراد تحميل أغراضه عليها، فتح مؤخرتها ودس حمله فيها، بل ويفتح بطنها من هنا وهناك! ولعل أغرب ما فيها أنه كلما أراد امتطاءها، فتح بطنها وجلس فيه!

يتركها السيد بجانب الطريق ساعة واثنتين، يوما واثنين فلا تتحرك بالرغم أنه لا يربطها بشيء، بل تجدها كأنها ميتة إذا ما اقتربت منها. لا تتحرك، ولا تتكلم، ولا تصرخ، ولا تُصدر صوتا ما دام صاحبها بعيدا، حقا هي ميتة، فكيف تعيش ثانية ساعة يفتح بطنها ويجلس فيه، لا أعرف ولا أستطيع أن أفهم.

في الصيف حارة كأنها ستموت من الحرارة والحمى، بل حتى الآخرين لا يستطيعون الاقتراب منها لشدة سخونتها، وفي الشتاء باردة كأنها قطعة من ثلج، بل لعلها ميتة بالفعل.

إذا خرجت لتسابق بعضها البعض، تجدها متوحشة في سرعتها، مستميتة في السباق، كأنها تخوض حرب حياة أو موت. بل حتى إذا اصطدم اثنان منها، تجدها بلا عاطفة أو إحساس بالألم أو بالآخر، والأغرب أن اصابتها تبقى عليها كعلامة فارقة، لكنها بالفعل بلا إحساس فلا دم يسيل ولا صوت ألم يعلو!

لقد صرفت حياتي وأنا أفكر بهذه الحيوانات الغريبة التي يصادقها السيد أكثر مما كان يصادقنا نحن والكلاب والعصافير وسواها من أصدقائه، ولن أنسى نصيحة أبي لي، ولكني قبل أن أخبركم عنها سأتحدث عن صفتين أخريين في غاية الغرابة.

عادة ما يأخذ موضوع الطعام حيزا كبيرا من تفكيري، فهذه الحيوانات لا تأكل! لكن على ما أعتقد أنها تأكل ولكن بطريقة غريبة جدا، فمن وقت لآخر، يقودها السيد إلى مكان فيه خراطيم طويله، ما يلبث أن يدس إحداها في خاصرتها بضعة دقائق ليخرجه وينطلق بحيوانه الأليف، ولكن إذا كان هذا هو الطعام فما هو هذا الطعام الغريب ذو الرائحة الكريهة.

وعلى سيرة الحديث عن الرائحة الكريهة، وهنا الصفة الغريبة الثانية، وهي ريحها. فما أبشع الريح الذي تصدره هذه الحيوانات الملونة اللامعة، ليس بشعا برائحته فقط، بل وأيضا كلما أطلقت ريحا كان أشبه بدخان الحرائق، بحياتي لم ألتق بحيوان له هذا النوع من الريح.

أما وصية أبي فكانت لي دائما: لا تقترب من هذه الحيوانات ولا تحاول مصادقتها. فهي لا تعرف الصداقة ولا تواظب عليها أبدا. فإذا غضبت - ولا أحد يستطيع تمميز غضبها من سرورها - وضربت أحدا ما فسيكون ذلك للموت. ولا أنسى ابن عمي المسكين، الذي كان يكبرني أشهر قليلة، كيف صدمه حيوان أزرق من تلك الفصيلة، فأرداه للوقت سابحا ببركة دم، بل ما كان غريبا لدي أن ذلك الجماد لم يأبه له، بل حتى لم يتوقف ولو للحظة ليرى ما حدث للحيوان المسكين.

وربما لهذا السبب صار السيد صديقا لها دونا عنا وعن باقي الحيوانات الأخرى!

 

بيروت 10 حزيران 2014