الحاكم بأمر الله

هذه المقاله مترجمه من:

 THE ENCYCLOPAEDIA OF ISLAM

New edition , Prepared by a number of leading orient lists. Edited by: B. Lews, V. L. Menage, CH. Pellat, J. Schacht. Volume iii     ( H - Iran ), 1971, Printed in the Netherlands.

 

القسم الأول

سادس خليفة فاطمي، كان اسمه أبو علي المنصور، واحد من أشهر الخلفاء بسبب افراطه في قساوته، اضطهاداته ومضايقاته للمسيحيين، الشخصية الالهية التي أكدها مؤيدوه ونسبوها اليه، والتي هي بند في الايمان عند الدروز. وبسبب نهايته التي يلفها الغموض.

من الصعب تشكيل فكرة واضحة محددة عن شخصيته، الغريبة جدا وغير القابله للتفسير، بسبب العديد من الاجراءات التي اتخذها، وسلوكه المليء بالتناقضات. تتميز شخصيته بشكل رئيس بالاستبداد والطغيان والقسوة مع نفحات من الليبراليه والتواضع!

ولد الحاكم عام 985، كان في الحادية عشر والنصف من عمره عندما توفي والده العزيز في بلبيس في 14 تشرين1 عام 996 ، أُعلن ولي العهد في 993. من على فراش الموت أمر العزيز رئيس القضاة محمد بن النعمان وقائد الكتامة الحسن بن عمر إعلان ابنه خليفة.

جعل يوم دخوله القاهرة في اليوم التالي لموت ابيه، لابسا لون واحد من الثياب، وعمامة مزينة باحجار كريمة، ورمح بيده وسيف على خصره ، يتقدمه جثمان أبوه، في اليوم التالي ظهر كئيبا لأصحاب المقامات الرفيعة في الايوان العظيم في القصر، جلس على عرش ذهبي وحيوه بلقب إمام ولقب الحاكم بامر الله.

في بدء حكمه، أصرت قبيلة كتامه البربريه التي كانت دعامة السلالة الحاكمة أن تعهد قيادة الحكومة لزعيمهم الحسن بن عمار الذي اشتهر بنجاحاته على البيزنطيين في صقلية، وقد عُين واسطه مع لقب أمين الدولة، أظهر رعاية للبربر في الجيش على حساب باقي العناصر- ترك، ديالمه و سود، سلم عيسى بن نسطوروس وزير العزيز للموت وتشاجر مع معلم الخليفة الخصوصي العبد الخصي برجوان.

قلق الاخير من خطة وضعها أتباع ابن عمار لقمع الحاكم، بإقامة حلف مع حاكم دمشق مانكوتين. تحرك مانكوتين باتجاه مصر مصحوبا بـ بدوين بن دغفل بن جعفر بن فلاح، على كل حال حكومة ابن عمار استمرت لوقت قصير، واحد من البرابره الاقوياء هو جيش بن صمصامة الذي طرد من مركزه الحكومي السابق كحاكم لطرابلس انضم لبرجوان. انفجر عصيان ضد ابن عمار الذي انكسر واختبأ، فسيطر برجوان بقوة على الوضع في وسيطه، في بداية تشرين2 997. الامر الذي أدى إلى إعلان قسم الأمانه للخليفه الشاب، صُفِح في البداية عن ابن عمار لكنه أُعدم لاحقا.

كان على برجوان ومعاونه فهد بن ابراهيم ، مواجهة مصاعب جمة: هجوم البيزنطيين شمال سوريا، عصيان علاقه بدعم بيزنطي، واضطرابات في دمشق. المشاكل في سوريا انتهت بنجاح بخسارة وانسحاب البيزنطيين تاركين صور، جيش ابن صمصامة أيضا في البداية خسر خارج أفاميا، طارد وقهر البيزنطيين غير المنظمين بسبب موت قائدهم دميان دالاسينوس.

إعتبارا من نيسان1000 أصبح برجوان بلا قوة، فالحاكم الذي اصبحت شخصيته تتبلور لتحافظ على نفسها، وجد وصاية برجوان عليه - والذي وضعه مغلقا عليه في القصر - مزعجه، فقتله بمساعدة عبده ريدان بينما كانا يتمشيان معا.

بدأت اضطرابات بسبب خوف الاتراك من ان سبب هذه الاحداث مؤامرة من قبل البربر، أجبر الخليفة الشاب على الظهور على باب القصر ليشرح الاسباب التي دعته لقتل برجوان، وليطلب المساعده والطاعه من كل اتباعه، هذه الجريمة وأوامر الطاعة الباهته لونت وجه هذا الولد ابن الخمسة عشر سنة بلون التعطش لدماء محيطيه من وزراء وشخصيات هامه، سقطت فيما بعد ضحايا.

 من هذا الوقت كان حكم الحاكم كمستبد مطلق، يتبع وحي تخليه اللحظي، سيئا كان أم جيدا، إجراءات على درجة كبيرة من الغرابة واللامألوف، يسكّنها حينا أو يلونها، ثم يعيدها بعد حين حتى الوصول الى جنون سنوات حكمه الأخيره.

الملامح الرئيسيه لحكم الحاكم:

1-  سلسلة من الاجراءات نابعه من روح الاسلام وخاصة الشيعيه

‌أ.       قوانين ضد المسيحيين واليهود

‌ب. اجراءات ضد السنه

‌ج.   اجراءات ذات طابع ( اخلاقي - اجتماعي )، كلها أُبطلت أكثر من مرة وأُعيد العمل بها دون فهم سبب لذلك

2-   عدد كبير من الاعدامات والمظالم

3-  تمردات وعصيانات وعدم اكتفاء عند الشعب

4-  انحراف الحاكم نحو حافة الجنون ومحاولاته اعلان الوهيته

كما وجدت مناسبات عديده اخرى اظهر فيها الحاكم امارات العطف، الانسانيه، الانفتاح والعداله بحيث صَعُب الحكم عليه.

 

الاجراءات ضد المسيحين واليهود، كانت الأكثر لفتا للنظر في مدة حكمه، لكن يجب أن يُقبل أنه وجدت دائما إجراءات مشابهة في الخلافه العباسيه. نذكر هنا باختصار اجراءات الحاكم:

ü 1003  هدم كنيسة وبناء جامع راشده في مكانها، تحويل كنيستين اخريين الى جوامع، نقل المسيحيين الملكيين من اماكنهم الخاصه الى الحمرا، منع الخمر، حتى القانون الاسلامي يسمح به للمسيحيين، وأمر بتحطيم اوعية الخمر وسكبه على الارض.

ü   1004  اجبار المسيحيين واليهود على ارتداء احزمة سوداء وعمائم.

ü   1005  منع جديد للخمر.

ü   1007  منع احد الشعانين في اورشليم وغيرها من الاماكن المقدسه.

ü   1008  مصادرة املاك الكنائس والاديره في مصر.

ü 1009  اجبار المسيحيين واليهود على ارتداء ربطة على اعناقهم في الحمامات، معلق عليها صليب للمسيحيين وجرس لليهود، هدم كنيستين في القاهره واخرى في دمشق وتدنيس مدافنها، ايقاع العقاب على عدد من الموظفين المسيحيين مما دفع العديد منهم الى دخول الاسلام.

ü 1009  هدم كنيسة القبرالمقدس في اورشليم، وفقا لابن القلانسي كان هذا بسبب سخط الخليفه على خدعة اعدها الرهبان بانزال نار مقدسه على المذبح.

ü وفي السنة نفسها منع احتفالات الغطاس في القاهره، تدمير دير القصير الملكي (للملكيين) على تلال المقطم وتدنيس المقابر، دمار كنيسه في دمياط.

ü   1010  اعادة تاكيد امر ارتداء المسيحيين واليهود الاحزمه السوداء، منع آخر لاستخدام الخمر ومنعه في القداس.

ü   402/12-1011  منع اظهار الصلبان واصوات الاجراس.

ü 1012  أمر للمسيحيين واليهود بارتداء احزمه سوداء واغطيه على الراس (طيلسان)، وأن يضع المسيحيون صلبان خشبيه حول رقابهم، ومنعهم من امتطاء الجياد، واستبدال الموظفين المسيحيين بمسلمين، هذه الاجراءات دفعت تحت عامل الخوف بكثير من المسيحيين للانخراط في الاسلام، كانت هذه سنة سيئه للمسيحيين، فلقد دمرت كل كنائسهم ومعابدهم ونهبت موجوداتها، وحده دير سينا نجا بفضل خدعة من قبل رئيس الدير، لكن ليس للنهايه ففي عام 1021 اشتكى رئيس الدير للخليفة على الرهبان.

نالت هذه السياسه بشكل عام رضى المسلمين ، الذين كرهوا المسيحيين بسبب اعمال المحاباة من قبل الموظفين المسيحيين، الامر الذي قاد مثلا الى اعدام فهد بن ابراهيم عام 1003 الذي كان رئيسا للموظفين لخمس سنين، وسجن العديد من الموظفين المسيحيين من وظائف مختلفة. لابد من الاشارة هنا ان هذه الاجراءات لم تطبق في بعض الاحيان، والا لما وجدت الحاجه لتكرارها.

من جهة اخرى في العام 1013  سمح الحاكم للمسيحيين واليهود الذين دخلوا الاسلام ان يعودوا الى ايمانهم ويهاجروا الى اليونان، في عام 1021 عندما علم ان بعض المسيحيين الذين اسلموا يقيمون القداس في البيوت، لم يتخذ أي اجراء ضدهم، وفي السنة عينها انجز عدة اجراءات لصالح المسيحيين، السماح باعادة بناء ديرالقصير، واعادة املاكه، تامين الحماية لكل املاك كنائس اورشليم، اعادة بناء بعض الكنائس واعادة املاك كل الكنائس والسماح للمسيحيين الذين دُفعوا للاسلام ان يرتدوا الى ايمانهم. يتساءل المرء إن كان الحاكم يتصرف بعض الاحيان بوحي من ذكرى امه المسيحيه؟!

 

 

القسم الثاني

أيضا في العام 1002  اعتقل 13 شخصا واظهروا للجماهير ثم سجنوا لثلاثة أيام لأنهم أقاموا صلاة الضُحى التي مُنعت منذ عشرين عاما، لكن في العام 1009 سُمح بإقامة الصلاة ثانية، وفقا ليحيى بن سعيد الانطاكي. بشكل مشابه سُمح بالقنوط في صلاة الجمعه (والتي استعملت خلال الفتره العباسيه) وصلاة التراويح في رمضان، سمح أيضا في صلاة الفجر أن يُقال مرتين تثويب، بالمقارنه مع طريقة السنه "الصلاة خير من النوم"، ولم يفرض أيضا في الاضحى "حيي على خير العمل" والتي هي أساسا عبارة شيعية، لكن حسب المقريزي في 1012 فرضت عبارة "حيي على خير العمل"، ثم منع التثويب ومرة أخرى منعت صلاة الضحى والتراويح، ومنعت النساء من النوح والبكاء في المآتم.

أحد أغرب الاجراءات كانت اللعنه التي القيت في 1005 على الخليفه الاول وأصحاب النبي، أعطيت الأوامر لكتابة هذه اللعنات على جدران الجوامع وأبنية أخرى وفي السوق، ممّا سبب مشاجرات أثناء العوده من الحج، ثم أُلغي الامر بعد سنتين، وأعطيت الأوامر لمحي اللعنات ومعاقبة كل من يسيء إلى أصحاب الأنبياء، أُعيد هذا الامر في 1013. لهذه السياسه المتقلبه والعوده للتطبيقات السنيه يعود الاحتفال بالصوم والانتهاء منه كما يفعل السنّه عندما يظهر القمر، على ان القانون الفاطمي حدد بداية الشهر بحسابات فلكيه.      

أنشأ دار العلم أو دار الحكمة في 1005 وقد كان اجراء اخر غايته محاربة العقيده السنيه والترويج للفكر الفاطمي.

كانت الفرمانات ذات الطابع الاخلاقي- الاجتماعي، القرارات الاكثر غرابة عند هذا الخليفة، وإن لم تكن تلك الفرمانات ناتجة عن أهوائه و تخيلاته، فمن الممكن نسبها الى قلق نشر أخلاق جيده ومحاربة الافكار المنحله.

  • ·   منع الخمر الذي سبقت الاشارة اليه كان قد أثّر على المسلمين كما على المسيحين. نقض سنة 1006، عندما نُصح الحاكم مِن قِبل طبيبه بالضرورة الصحية للخمر، لكن هذا الأمر أعيد رفضه وتطبيقه مرات عديدة،
  • ·        منع ظهور الناس في الحمام بدون إزار،
  • ·        منع بيع الجاريات المغنيات،
  • ·        منع بيع العسل والزبيب، التي يمكن أن يُصنع منها مشروبات مخدره أو سامه.
  • ·        منع الآلات الموسيقية والموسيقى ومنع التشخيص الغنائي والموسيقي،
  • ·   للسبب عينه منع النساء من التزين ووضع الحلي والذهاب الى الحمامات والمدافن وحتى في بعض المرات من الخروج على الاطلاق،
  • ·        في العام 405 منع صانعي الاحذيه من صنع الاحذية لهن حتى لا يتمكن من الخروج مطلقا.
  • ·   منع الحاكم أيضا الحفلات على ضفتي النيل و النزهات في القوارب في الخليج ، وأمر ايضا ان تغلق كل الابواب والنوافذ المطله على الخليج،
  • ·   أيضا منع الناس من التمشي ليلا أو الإبقاء على الدكاكين مفتوحه إلى ما بعد المغيب، لكن في مرات أخرى استمتع هو بالتمشي ليلا في الشوارع.

كل هذه الاجراءات كانت غير محبوبه إلى أبعد الحدود، كان الحاكم بالتاكيد قلق بشأن التعامل بقسوة مع فجور بعض فئات الناس ولم يتردد في إنزال أشد العقوبات في حق أي تردد في تطبيق المحظورات. مما يدعو للعجب أيضا أن بعض محظورات الخليفه كانت من باعث جدي، الأمر الذي لا يمكن قوله عن قرارات أخرى. من بين هذه كان سلسله من الممنوعات تطال الطعام، والتي كانت متعبه للتجاره والاستهلاك:

  • ·        منع الملوخية - النبته الأكثر انتشارا شعبيا، بحجة أن أبو بكر وعائشة ومعاوية أحبوها
  • ·        سلطة الروكه
  • ·        الترمس
  • ·        المحار
  • ·        السمك بدون حراشف (مما يذكرنا ما ورد في كتاب تثنية 14/3 ).
  • ·        منع ذبح المواشي الا لذبائح العيد الذي ربما نتج من الحاجة إليها للزراعه (قارن مع سياسة الحجاج).

لكن ماذا يمكن ان يقال عن امر قتل كل الكلاب لأن نباحها يزعج الخليفه، ومنع لعبة الشطرنج؟ أي تفسير يمكن أن يعطى لمصادرة الحاكم أملاك أمه وأخته وزوجاته؟

إن التعدي على هذه القرارت يؤدي في بعض الاحيان الى الموت، لأن الحاكم كان يعود لأحكام الاعدام لأي سبب كان، والتي نشر بها الرعب كوسيلة حكم. عدد الوزراء والمسؤولين الكبار والموظفين الذي أعدمهم كبير جدا. نشير هنا الى بضعة حالات:

  • ·        الفتك ببرجوان
  • ·        اعدام فهد بن ابراهيم
  • ·        اعدام جميع نزلاء السجون في العام 1004،
  • ·        التعذيب الذي طال عام 1009 بعض الموظفين المسيحيين (علقوا من الايدي الامر الذي ادى الى موت بعضهم)
  • ·        في عام 1010 اعدام الوزير علي بن الحسين المغربي والوزير السابق صالح بن علي
  • ·   في العام 1010 خلفه المسيحي منصور بن عبدان، ايضا حسين بن برجوان و عبد العزيز بن محمد بن النعمان الذي بعد ان هرب الى بني قوره عاد بوعد أمان،
  • ·        في العام 1013 جدع ابو القاسم الجرجرائي والخصي الاسود غاين موظف القصر البارز،
  • ·        في السنة عينها الاعدام غرقا للعديد من محظيات الحاكم،
  • ·        في العام 1014 اعدام الوزير الحسين بن ظاهر الوزان ووزيرين آخرين احدهما الفضل بن جعفر بن الفرات،
  • ·   ايضا سلم للموت سرا في العام 1010 خاله ارسينيوس، بطريرك الاسكندريه الملكي، الذي كان قد اختاره هو شخصيا قبل عشر سنين. 

 

 

القسم الثالث

ليس من العجيب إذاً أن الشعب كلّه أصابه خوف مريع من الحاكم.

واحد من أقسى أعماله - لأنه نتج ببطئ من إلهام رغبته بالانتقام - كان قراره في نهاية آذار 1020 بإحراق الفسطاط، بسبب عبارات تهجوه، متهمة إيّاه إهمال الاسلام وطمس فرائضه الاساسية (العيد والحج)، بعد عظة الدرزي وحمزه، وبسبب الهيجان الذي تبع اعلان عقيدة الوهية الحاكم في جامع عمرو، أعطى أوامره لفرقته السوداء بهدم وحرق الفسطاط، الذين أتوا الفظائع بالسكان.

كان عليه التدخل شخصيا لوقف القتال، لأن الترك والبربر وقفوا الى جانب سكان الفسطاط وحاربوا لأجلهم الفرقة السوداء. بعض التقاليد تقول أن الخليفة كان بالدهاء والخبث أنه وقف قائلاً: من أعطى الاوامر لفعل هذا؟ وأنه روّح عن نفسه بالتفرج على حريق الفسطاط من على جبل المقطم. دام الحريق أسبوعا كاملا واتى على معظم المدينه.

اضطرب حكم الحاكم أيضا بسبب العديد من الاضطرابات (العصيان). في البداية كان عصيان عرب قبيلة بنو قورى في اقليم البحيره جنوب شرق الاسكندرية. لكن اكثرها أهمية كان عصيان أبو ركوه وليد بن هشام، أمير أموي طُرد من الاندلس. بعد مغامرات عديده في اقاليم متنوعه، حتى في سوريا، ظهر في اقليم برقه ونال دعم قبيلة زناتة البربرية، أجلس نفسه ضداً للخليف وانتصر في البداية على جيشه في نهاية 1005، ثم جيش أنال التركي، الذي أرسله الحاكم.

في هذا الوقت مضايقات الحاكم لشعب مصر كانت في أوجها، وأكثرها إزعاجا كان إعدامات الحاكم ومظالمه التي ألقى بها على بنو قرة وكتامة في الجيش السوري، الذين اظهروا فرحهم واملهم بان يسقطوا الطاغيه، ويبدو أن الوزير حسين بن جوهر قد اتصل أيضا بابي ركوة. دعى عند ئذ الحاكم غلمانه الحمدانيين الذين كانوا في سوريا ومفرج بن دغفل ووضعهم تحت امرة الفضل بن صلاح. دارت المعركه بين الفريقين خارج الاسكندريه، فأرسل أبو ركوة من الفيوم فرقة باتجاه الجيزه، حيث كان قد أرسل الخليفه قوة بقيادة علي بن فلاح، الذي دحر. لكن في آب 1006 ربح الفضل المعركه على أبي ركوة الذي فرَّ باتجاه بلاد النوبه، تعقبوه وألقي القبض عليه بمعونة أمير النوبه حيث اقتيد الى القاهره وأعدم هناك في جمادى الاخرى آذار1007، كان الامر بمثابة تنبيه قوي ، فكان على الخليفه ان يظهر التواضع ليكسب رضى القبائل، والاعتذار عن الاعدام الذي قام به، وبدا كأنه في احدى المراحل سيهرب الى سوريا، لأنه كان متوقعا أن يدخل العصيان القاهره، اضافة الى حركة الشعب غير المرتاح. خلال السنتين اللاحقتين لهذا العصيان محظورات الحاكم التي تطال الاطعمه أُلغيت، وأيضا قلص اجراءاته المناهضه للسنه.

تنبيه آخر اتى من عصيان مفرج الجراحي عام 1011 في فلسطين، مدفوعا من حسين بن علي المغربي (الوزير المغربي) الذي لاذ بالفرار مع ابنه حسان بن المفرج بعد اعدام اببه علي المغربي في.

 

الانحرافات التي عكف عليها الحاكم بعد رفع وصاية برجوان عنه معروفة جيدا:

ابتدأ يجول في شوارع الفسطاط ليلا مصطحبا قلة من الاصحاب. عندما حدث هذا أضيئت الاسواق  والبيوت والشوارع كانت في حركة كما في النهار.

احب مشاهد المصارعه في الشارع والتي كانت تتحول في بعض الاحيان الى قتال حقيقي بين الجماعات الثائره. اظهر في بعض الاحيان فضول مريض. بعض المرات خلال جولاته هذه كان يُحاط بشلة من الجانين، مرة بينما كان يعبر امام دكان لحام، اخذ منه سكين القطع وضرب بها فقتل معاون اللحام، واكمل طريقه دون ان يعير الجسد ادنى اهتمام، وقع الخوف بقلوب المحتشدين حيث لم يجسر احدهم على الكلام، فبقيت الجثه ممده الى حين ارسال الحاكم اشارة برفعها ودفنها.

في العام 1014 ازدادت هذه الجولات، كان يمكن ان يُرى في الشارع مرات عديده في اليوم الواحد، ولم يقلع عن هذه النزهات حتى في مرضه، لكنه كان يُحمل في نقاله.

من جملة تصرفاته الشاذه كان يمكن ايضا ملاحظة نوبات التواضع والتنسك، مما يدفع للاعتقاد بميله نحو عالم التصوف، في عام 1012  منع اتباعه من رمي انفسهم امامه لمناداته "ربنا"، وضرب الطبول او الابواق في محيط القصر.

عمل احتفالين عظيمين بمناسبة العيدين الاسلاميين بدون زينه او مواكب، اظهر التقشف في كل ما عمل - في الطعام وملذات الجسد، اطلق شعره ولبس حلة من الصوف الخشن، امتطى الحمار فقط، وسخي بالعطاء بشده.

في العام 1013 بعد اعلان ابن عمه (خاله) عبد الرحيم بن الياس وريثا افتراضيا، فوض اليه كل اعمال الولايه. وظهر الخلف ممتطياً حصانا في موكب رسمي لابسا كل شارات الخلافه بينما تبعه الاخير راكبا على حمار.

إلى نهاية حكمه كان هذا التواضع والزهد يتزايد الى حد انه لم يعد يستبدل ثيابه، بل يلبسها قذرة مغبره وعليها عرقه ملتصقة بجسده، حيث سافر في ارجاء البلاد، تسلق تلال المقطم ومشى منفردا لوقت طويل، عندما امر اتباعه انتظاره على مسافة منه ، تخيل انه يخاطب الله.

قاده جنونه الى قبول وتشجيع النظريات الاسماعيليه المتطرفه التي تفضي انه تجسيد للالوهة. اعطى المؤرخون دورا مهما للتشويش والاضطراب الذي كان به لبعض المبشرين الاسماعليين حسن بن حيدرة الفرغاني الاخرم، حمزه بن علي بن احمد الزوزني ومحمد بن اسماعيل انوشتيكن الدرزي، من المؤكد بان عددا من الامور المهمه قد تضاربت احداثها. على كل حال يبدو انه في العام 1017 قد بُدء في نشر هذا التعليم، بموافقة الخليفة. يبدو من المؤكد ان حمزه كان اول المبشرين فيها وان الدرزي كان تلميذه ، ايضا يحيى جعل حمزه يظهر بعد الدرزي، اضافة لذلك فان منافسة كانت موجوده بين الاثنين. استنادا الى احدى المخطوطات فان الدرزي قتل من قبل الترك الذين كانوا منزعجين من نظرياته، وبالاستناد الى اخرى فان خوف الخليفه على الدرزي داعاه الى ارساله الى حوران، قيل ايضا ان الاخرم كان من اتباع حمزه. قيل انه ارسل الى القاضي بينما كان يقضي في جامع عمر قصاصة ورق مكتوب عليها " بسم الحاكم الرحمن الرحيم"، الامر الذي سبب هيجانا ومقتل اتباعه بينما تمكن هو من الهرب. وقيل انه قتل من قبل الترك.  حمزه الذي كان من المقربين للحاكم تربطه به علاقه مميزه، تقول بعض التقاليد انه اُجبر على الاختباء في حوران، من غير المعروف ما جرى له بعد اختفاء الحاكم، لكنه معروف بمؤسس العقيده الدينيه للدروز.

من غير الواضح علاقة اختفاء الحاكم بكل هذه الامور والى أي مدى اثرت هذه التعاليم على زيادة جنون الخليفه.

كانت نهاية الحاكم غريبة بمقدار حياته، ويبدو انه لن يُعرف كيف حدثت. في شباط 1021 اختفى بينما كان يسير على جبل المقطم على المنبسط الممتد من هناك الى حلوان، ابتعد عن مرافقيه الذين امرهما بالانتظار بينما يتمشى مبتعدا عنهما، لم يرياه ثانية وعادا الى القصر في الصباح. ابتدأ البحث، وبعد ثلاثة ايام عثر على ثيابه ممزقه بخنجر. وفق احد التفسيرات المعقوله، انه قتل بتحريض من اخته ست الملك التي كان قد اختلف معها، حيث كانت قد لامته على سلوكه المفرط، الذي يمكن ان يودي بالملك. بينما لام اخته على طريقة حياتها الخليعه، فخوفا من ان يسلمها للموت سبقته بالعمل والترتيب مع شيخ الكتامة سيف الدولة بن دواس على اخفاء الحاكم. كما وجدت روايات عديده، لا تتصل احدها بالحقيقه:

  • ·        طلب من احد القتله ان يقتله.
  • ·        أن يُؤخذ الى احد الاديره ليصرف بقية عمره هناك.
  • ·   يعتقد الدروز بنوع من الغيبة الغامضه (عقيدة شيعية معروفة) الى الوقت الذي سيعود فيه للظهور (عقيدة الشيعه بالعوده) ،
  • ·        نظرية اعتكاف الحاكم في عزلة () لانه رأى استحالة تحقيق نظرياته في مصر.

خلال فترة حكمه لم يفقد من الاملاك الفاطميه العظيمه شيء، بل في الحقيقه نودي له في الموصل من قبل قرواش العقيلي  في الفترة 1010، في فترة حكمه ايضا في 1015  منصور بن لؤلؤ في حلب خضع للخليفة الفاطمي، وبعد اختفائه عرفت حلب العديد من الحكام الفاطميين. ايضا في نهاية حكمه عرفت دمشق حالة من الاضطراب. في العام 1019 عين ولي العهد كحاكم، الذي اصدر بعض الاجراءات المنفتحه كالسماح بشرب الخمر، الذي لم يكن وفق هوى الحاكم، فقد نال بعض الدعم من بعض فئات الشعب - الاحداث - بينما البعض الاخر لم يدعمه، بينما كان في وضع الدخول في علاقة مع بني جراح، استدعاه الحاكم فاستجاب لهذا الامر فورا، اكتفى الحاكم بذلك واعاده الى دمشق، حيث قام بعصيان ضده هناك، اثر موت الحاكم اعتقلته ست الملك واحضرته الى القاهره.

بسبب الحاكم امتلكت القاهره بناء جامع راشدة واتمام الجامع المعروف باسم الحاكم الذي بدأه به على ايام العزيز، ويعتبر المؤسس لأول جامعة اسلامية - دار الحكمة المشار اليه اعلاه، بمكتبتها الضخمة. رعى تطوير العلوم والاداب، المؤرخ المسبحي، كان احد المقربين منه، والفلكي علي بن عبد الرحمن كتب له الزاج الكبير، وكان على علاقة جيده مع ابن المقشر الذي بسبب نصائحه عاد الى شرب الخمر.