الألبسة الداخلية والرجال!

 

في مدينتي شُرطيَّات، وذلك مُنذ سنين عديدة، حيث سبقْنا كثيرين جداً بهذا الدور المميَّز وسواه للإناث في بلادي.

وفيها طبيبات ومُدرِّسات و ومِخْبَريات و ...

وفي بعض الحالات، وهي تكثر في الآونة الأخيرة بائعات!

والواقع فإنَّ وُجود بائعاتٍ في المحلات على اختلافها، سبَّبَ ارتياحاً لبعض النساء اللّواتي يَذهبنَ لِشراء بعض الحاجيات، كذلك لبعض العائلات التي تَذهبُ للتَّسوق؛ فهذا البعض - وليستْ نِسبَتُه قليلة على كلِّ حال - يُشعرُ بارتياحٍ أكثرَ إذا ما أُعطيَ خيار التعامل مع بائع أو بائعة في المحل التجاري، وهذا منطقي بحسب رأيي.

لكنْ مِنَ المُستغرَبِ أنَّ كثيراً مِن محلاَّت بَيِعِ الحاجيَّات النِّسائيّة مِنْ ألبسة وأحذية وأدوات زينة وتَبرُّج وسواها لا يَبيعُ فيها إلاّ الذكور!

لكنْ مِنَ المُستغربِ أكثر جداً أنَّ كلَّ محلاّتِ بَيعِ الألبسة النسائية الداخلية لا يَبيعُ فيها سوى الرجال!!

عجيب ...

في الواقع، بِقَصدٍ أو بِغيرِ قصد، أَجريْتُ إحصاءً شخصياً لهذه الظاهرة، فلم أُوفَّق بأنْ وَجَدتُ أُنثى كبائعة في محلٍّ لِبيعِ قِطَعِ هذا النوع مِنَ الألبسة!

وفي كلِّ مرَّةٍ كنتُ أَمرُّ بِمَحلٍ مِن هذا النوع، أو سوقٍ مِنْ أسواقِها كانت تُصيبُني الدَّهشةُ الشديدة.

ففي مُجْتَمعِنا لا يَتُمُّ الحديث عنِ الألبسة الداخلية النسائية علناً ولا حتى أمام الأقرباء،

ولا يَذهبُ الرِّجالُ لِشرائِها لِنِسائهم،

بلْ ولا يَذهبونَ – عادة - بِرفقَةِ نسائِهم لشرائها،

ولربَّما مُعظم الرِّجالِ إنْ لم يكن جَميعُهم لا يَعرفونَ حتى مَقَاساتِها!

لكنْ مع هذا، لا يُوجدُ في محلاَّتِ بَيْعِ الألبسة النسائية الداخلية سوى الرجال!

والمدهش حقاً، أنَّ حديثاً يَتعلَّقُ بِلونِ "حمَّالاتِ الصدرِ" مثلاً أو قِياسها أو موديلها لا يَتداولُه أحدٌ مِنَ الأقرباءِ ولا حتى المُقرَّبين – حتى الأولاد – لكنَّ هذا الحديث يُفتحُ باستفاضةٍ مع بائعٍ "ذَكَرٍ" !

وبَعضُهنَّ يَسألنَهُ عنِ الألوان الأنسب! وبعضُ البائعين "الذكور - طبعاً" يَقترحونَ على المُشتريات "المحتشمات" المقاس الأنسب!

حتَّى هنا وستقولُ لي: ما هذا الحديثُ المعيبُ، ألا تستحي؟

هكذا كنتُ أقولُ لِنَفسي أيضاً، ولكنْ أين العَيبُ؟

هل العَيبُ أنْ أَستغرِبَ هذه الظاهرة الغريبة والمشينة، أَمِ العَيبُ في سوقٍ للألبسةِ النِّسائيَّة تَمْتَدُّ محلاتُه إلى اليمين واليسار على طولِ الشارع، لا يَدخُلُها سوى النساء، ولا يَبيعُ فيها سوى الرجال، لِيَشترين مِنْ عندهم ألبسةً داخلية، بينما هو يأخذُ "المساطِر، أي النماذج" لزوجته وأخته وابنته في البيت لِتَخْتَار منها!

لماذا يَفرِضُ علينا العيبُ والحياءُ عَرْضَ دِعاياتِ الألبسة النسائية الداخلية بِدونِ جميلاتٍ يَلبِسْنَها، بينما مِنَ العاديّ أنَّ كلَّ النساءِ يَدخُلْنَ إلى بائعٍ يَعرضُ عليهنَّ ألبسةً داخليةً عادية و"سُوبّر"، ويَستَمْزِجُ أَذواقَهُنَّ ويُشاوِرُهُنَّ فيها، ولربما يَتعاونُ مع بائعٍ "ذَكَرٍ" آخر في المشاورة؟

لماذا باتِ لدينا إناثٌ في مَواقِعَ عملٍ كثيرة، بينما لا يُوجد أَثَرٌ لهنَّ في محلاتِ بَيعِ الحاجيات النسائية، على الأقل الألبسة الداخلية؟

لماذا يُصرُّ البعضُ ألاّ تَذْهبَ النِّساء إلاَّ إلى طبيباتٍ ومِخْبَريّات وحلاّقاتٍ علَّقْنَ لافتة تخبر "جناح خاص للسيدات"! بينما تذهبُ النساء أنفسُهنَّ لِعند بائعٍ لشراءِ الحاجيَّات التي مِنَ العيبِ ذِكرُها أمام الآخرين مهما كانوا؟

لستُ مِنْ دُعاة حَبْسِ النساء في بيوتِهنَّ كما يَجري في بعضِ البلاد البدائية مِنْ حولنا، لكنَّني أرجو أنْ نَكون مَنطقيين مِنْ هذا النَّحوِ ولو بالحدود الدُّنيا.

إنَّني أَعتقدُ أنَّ أصحابَ المحلاَّتِ أنفسَهم يجب أنْ يَشعروا بهذا الخَللِ وبالتالي بالخجل فيبادروا لتوظيف فتياتٍ لديهم، فيكونون أكثرَ انسجاماً مع الأخلاقِ التي يُحاولونَ أنْ يَبثُّوها هم وغيرهم عنْ أُصُول احترامِ بعض "الخصوصية النسائية"!

راجياً مزيدا من التحرر للمرأة السورية.

 

حلب نيسان 2009