المعرجون بين الفرقتين

منذ بضع عشرات من السنين، ما يزال بعض الإنجيليين يأملون أن غير الإنجيليين سيقبلونهم على قدم المساواة مع أنفسهم.

والواقع أنهم خلال تلك العشرات من السنين صرفوا جهودا كبيرة، وقدموا تنازلات كثيرة، وأصابتهم خسائر جسيمة، ولكن النتيجة ما تزال نفسها، يعرفونهم لكنهم لا يريدون أن يتعرَّفوا عليهم، يعرفون بوجودهم لكنهم لا يريدون أن يعترفوا بهم كما يحق الاعتراف.

ولا أجد قصتهم مع محاولة التعريف والقبول هذه إلا أنها نسخة جديدة عن قصة ذلك الأعرابي الذي درس قصته معظمنا في الكتب الدراسية، ذلك الأعرابي الذي أضاف رجل مرو مرات لا تحصى بينما يعبر العراق ذهابا وإيابا، ويوم ذهب لزيارته في مرو، ما عرفه، لا حين رفع القناع ولا حين نزع العمامة، ولا القلنسوة ولا سواها حتى قال له مقولته المشهورة "لو خرجت من جلدك لم أعرفك!"

هل حقا لم تروا حقيقة أنكم ولو خرجتم من ثيابكم لن يعرفونكم؟ وأنهم ولو لبستم ثيابكم لن يعرفونكم ولن يقبلونكم؟!

حتى متى تعرجون بين الفرقتين؟ فأضعتم بريق ما لديكم، وما استطعتم أن تحصلوا على شعاع بريق واحد مما لديهم - إن كان لديهم بريق!

ألم يخطر ببالكم مرة أن تسألوا أنفسكم: متى وكيف سيقبلوننا ويصنفوننا "كنيسة" بالمعنى الكامل للكلمة؟

ألم يخطر ببالكم مرة أن تسألوا أنفسكم: ما الثمن وما مقدار التنازلات التي علينا تقديمها حتى يروننا كما نحب، وكما يليق؟

ألم يخطر ببالكم ما الثمن أو التنازل الذي قدموه ولو لمرة واحدة في عملية قبولكم التي ابتدأت ولا يبدو لها نهاية؟

ألم يخطر ببالكم السؤال عن هول الثمن الذي تتكبدونه في التنكر لبعض "الإنجيليين"؟

وأنا سأجيبكم وأريحكم فأقول:

لن يقبلونكم ولن يتعرفوا عليكم ولو رفعتم القناع أو نزعتم العمامة ولا حتى إذا أنزلتم القلنسوة!

لن يقبلونكم ولن يتعرفوا عليكم ولو تخليتم عن سلطة الكتاب المقدس كمرجع للكنيسة وإيمانها، وقبَّلتم الخواتم والأيدي التي تحملها.

لن يقبلونكم ولن يتعرفوا عليكم ولو تخليتم عن "الإنجيليين" الآخرين "المخالفين" المزعجين.

حتى متى تعرجون بين الفرقتين، وتريدون أن تمسكوا البطيختين بيد واحدة، فما حصّلتم سوى ضياع تراثكم وحيوية كنائسكم، ولا قبولهم المنشود؟!

كفاكم مراهنة على حصان خاسر لأنه يعرج بين مستحيلين!

فإثبات الوجود لا يتعلق بالعدد مقارنة بعدد الآخرين، ولا بالسنين مقارنة بزمن وجود الآخرين، بل يقوم على من نحن وما نقوم عليه.

وإثبات الوجود لا يتم عن طريق الإندماج أو الذوبان بالآخر، بل عن طريق العلاقة المتكافئة، والتنازلات المتوازنة، وإن كانت بين إخوة – كما يُفترض – يخرقها عندئذ تنازل من هنا وآخر من هناك بلا حساب.

لكن هل أي من هذا يحصل؟

أبدا! فمنذ بدأ الأمر ما تزالون تعذبون أنفسكم البارة بالإنفساخ بين مستحلين، يكبران بفعل تجبرهم واعتدادهم بأنفسهم!

فحتى متى؟

حلب 5 تشرين2 2010