حرف السين في بداية سفر التكوين

 

سألني أحدهم عن الحكمة "الربانية" مِن عدم وُرُود حرف الـ "سين" في الأصحاحات الـ 11 الأولى في النص العبري لسفر التكوين! ومع أنني أجده موضوعا لا قيمة له، لكن لابد من توضيح الإبهام حيث يلزم، وحماية الناس من "شطحات" لا أعرف لماذا وكيف تنبت في أذهان البعض.

لابد أولا من معرفة أن أبجدية لغة العهد القديم العبرية تتضمن حرفين يلفظان "س" كما السين في اللغة العربية. الأول ( ס )، والآخر ( שׂ ). وهذا الحرف الأخير، هو متحول من حرف الشين ( שׁ )، والفرق بينهما كما هو واضح بمكان النقطة، فإذا كانت النقطة إلى اليمين كان الحرف ش، وإذا كانت النقطة إلى يسار الحرف كان الحرف س.

إذاً، في حال فُقِدَ حرف السين الأول ( ס ) - كما يَفترض المتحدث بنظرية الفقدان هذه - فهناك حرف سين آخر. وقد وَرَدَ في أماكن كثيرة جدا من تلك الأصحاحات، مثلا: تك 1/7 "فَعَمِلَ וַיַּ֣עַשׂ اللهُ الْجَلَدَ وَفَصَلَ ..."، 1/11 و12 "... لِتُنْبِتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلاً עֵ֚שֶׂב يُبْزِرُ بِزْرًا، وَشَجَرًا ذَا ثَمَرٍ يَعْمَلُ עֹ֤שֶׂה ثَمَرًا ... فَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ عُشْبًا وَبَقْلاً עֵ֚שֶׂב يُبْزِرُ بِزْرًا كَجِنْسِهِ، وَشَجَرًا يَعْمَلُ עֹ֤שֶׂה ثَمَرًا...".

لكن، من مراجعة النص العبري، نجد أن حرف السين ( ס ) المفُترض اختفاءه موجود، وأيضا بكثرة! مثلا:

تك 2/11 "اِسْمُ الْوَاحِدِ فِيشُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ הַסֹּבֵ֗ב بِجَمِيعِ أَرْضِ..." والكلمة عينها تتكرر في العدد 13 التالي.

تك2/21 "... وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاَعِهِ وَمَلأَ וַיִּסְגֹּ֥ר مَكَانَهَا لَحْمًا"، تك 4/2 "ثُمَّ عَادَتْ וַתֹּ֣סֶף فَوَلَدَتْ أَخَاهُ ..."،

تك5/1 "هذَا كِتَابُ סֵ֔פֶר مَوَالِيدِ آدَمَ..." كما ورد في أعداد أخرى: 2 و5 و11 و14 و17 و31 من الأصحاح نفسه.

تك 6/11 "... وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ ظُلْمًا חָמָֽס"،

تك8/2 "وَانْسَدَّتْ וַיִּסָּֽכְרוּ֙ يَنَابِيعُ الْغَمْرِ ..."، وسواها الكثير من الأمثلة الأخرى، لا حاجة لذكرها كلها هنا.

وصاحب مسألة اختفاء حرف السين، أضاف ملاحظة أخرى اعتبرها من الأهمية بمكان، وهي تميز بعض الأرقام التي وردت في تلك الأصحاحات، مثلا وجد أن الكلمة "إلوهيم"، وتعني الله، قد وردت هناك 35 مرة، وهو ناتج ضرب 7 بـ 5 ! ثم انتقل إلى أحرف اللغة العبرية التي هي 22 حرفا، وبإقصاء حرف السين المفقود في تلك الإصحاحات، تبقى الأبجدية 21 حرفا مما يعني 7 ضرب 3!

وأنا في الواقع لم أفهم الحكمة الربانية من كل هذا! ولكن للتوضيح اقول، إنّ أولئك الذين يعتقدون بالقوة العددية للأرقام، عادة ما يَجْمَعون الأرقام ولا يضربونها.

لكن لابد أن نقول في ختام هذا الكلام، إن القضية كلها متمحورة حول "إعجاز" ما في الكتاب المقدس. وهذه مبارزة لا قيمة لها، قائمة بين بعض المسيحيين وأتباع ديانة باطلة. يعتقدون أن كل رقم له مدلول وقيمة، حتى وإن كنا لا نفهمها، لكنها موجوده – سبحان الله! وكل اختراع جديد أو اكتشاف علمي جديد، تجدهم يفتشون عليه في الكتاب، لأن الله كتب "كل شيء" في كتابه!

صديقي العزيز، إنّ إعجاز الكتاب المقدس كامن في الخلاص العجيب الذي هيأه الله للخطاة والبعيدين. ولَمَّا قَبِلَ وتَنَازل واستخدم لغتنا وصُوَرَنا وأدواتنا، كان ذلك بسبب محدوديتنا. فهي ما تزال لا قيمة لها، لأن القيمة بالمخلص.

كالغري 7 آذار 2019

#pastorajji