أين الكتاب المقدس في حياتك؟

ملوك الثاني 22/8-20

(بمناسبة أحد الكتاب المقدس في الكنيسة 26 شباط 2012)

لو أنّ الكتاب المقدس عنصر يومي فعّال لَما ضاع أو فقد!

كانت المشكلة التي يعرضها النص، أن الشعب بما فيهم ملكهم أو ملوكهم حتى يوشيا الملك، أهملوا شريعة الرب، حتى أن الهيكل تخربت أجزاء منه، وأهملت محتوياته، حتى أن كتاب الرب فُقد بين أرجاء الفوضى التي عمّت المكان.

لكن ماذا يعني "عنصر يومي فعال"؟ لكي نجيب على هذه السؤال بشكل "عملي" وقريب منّا، سنتوقف عند مجموعة من الأمثلة، ربما تظهر كأنها لا تليق والحديث عن الكتاب المقدس والوعظ، لكن حاول أن تتجاوز معي محطة اللياقة هذه قليلا وفكر في تطبيقات هذه الأمثلة.

لو أنّ الكتاب المقدس:

v فنجان قهوة: صباحي بشكل خاص كما وخلال النهار. لَكُنا تقابلنا معه مرة واحدة - على الأقل - باليوم، وبعضُنا يشرب فناجين يحسبها عادة "بالركوة"! هذا بالرغم من التكاليف المترتبة على هذا اللقاء، كتكلفة سعر القهوة والغاز والغسيل والمضرة الناتجة على المعدة وسواها من أعضاء الجسم.

لو أنّ الكتاب المقدس:

v مسلسل مكسيكي (ماريّا أنوار الصّبح) أو مسلسل تركي (قَرْداش بالصالون): لَكُنا تقابلنا معه يوميا ساعة أو ساعة ونصف ولمدة 150 أو 250 يوم، بدون عطلة أو استراحة، ثم يوميا لمدة 3 ساعات في إعادة المسلسل بمعدل كل يوم حلقتين أو ثلاث حلقات، سيستغرق هذا حوالي السنة أو السنة والنصف. وهكذا ستكون قد حفظت تقريبا كل المشاهد، بالرغم من التكاليف المترتبة على هذا الأمر، فهناك الكهرباء والعيون المتأذية من الشاشة، ما عدا الخراب الذي سيصيب مبادئنا من الأفكار الخاطئة المترتبة عنها!

لو أنّ الكتاب المقدس:

v لعبة بلاي ستيشن: لَكُنا صرفنا ساعات مِن التسلية غير المفيدة وتعازمنا مع الأصدقاء على سهرات في البيت أو "النت كافيه" وأكلنا "التشيبس" المقلي يزيت سيء ... وتصارعنا على ربح لا بِشَبِّع ولا بِرَبِّح ولا بِزِيد وغلباً بنقِّص.

لو أنّ الكتاب المقدس:

v موبايل "هاتف محمول": وهنا لا أتحدث عن المكالمات، فهذا موضوع آخر. فلو أن الكتاب المقدس موبايل، لكنا صرفنا الوقت والجهد السخيين لشراء الزينة اللائقة به والمناسبة للأغطية التي نبدلها بشكل شبه يومي، ما عدا استقبال – طبعا عن طريق الشراء غالبا – الأغاني الأحدث والمعزوفات الأسواء للسمع، وكنا تمنينا لو أنهم يصنعون جيلا من الأجهزة نستطيع أن نتركه معنا بينما نستحم!

لو أنّ الكتاب المقدس:

v "فيس بوك": يا إلهي، لو أن الكتاب المقدس "فيس بوك"، لكنّا استبدلناه كل سنة مرة أو مرتين على الأقل، لشدة الاستخدام كما يحدث مع مفاتيح الموبايل أو الكمبيوتر! لكنّا حفظنا عبارات وعبارات، واقتبسنا تعليقات وتعليقات "كومنتات"، ووزعنا "لايكات" إلى ما شاء القدير.

اخوتي، أخواتي الأحباء

لماذا فُقِد الكتاب من حياة الشعب؟ ولا أتمنى أن يعنيك هذا السؤال! فإذا كان كذلك، فهناك على الأقل سببين بسيطي الصياغة كبيري التأثير:

الأول- لسبب الاهتمام بأمور أخرى على أنها أهم من أي شيء حتى من الكتاب المقدس:

وهذا ما حصل مع الشعب في الواقع. فكل أمور الحياة كانت أهم وأبهج وأيسر وأحب من عبادة الله والاهتمام بمكان العبادة، وأيضا من الاهتمام بالكتاب المقدس! ألا نُصاب بنفس الداء عادة أو من وقت لوقت، وبعضنا مصاب به بشكل دائم؟ راجع معي يومياتك، بمعنى الطريقة التي تصرف بها يومك، وانظر كيف تُفاضل يوميا بين أمر وآخر، بين هام وأهم وتعيد التصنيف والترتيب، وأكثر الضحايا في هذه الترتيبات وإعادة الترتيبات هو "الكتاب المقدس"!

ثم تمضي الأيام والأيام، ويأتي وقت تفطن، إمّا لسبب سؤال وُجّه إليك، أو أزمات تعبر بها حياتك، فتفتش عن كلمة الله فتجد نفسك قد أهملت الكتاب حتى أنه اختفى بين أكوام من الفوضى هنا أو هناك في بيتك.

الثاني- لسبب المضايقات التي يُسببها الكتاب المقدس:

ماذا نفعل إذا ما ضيقنا الكتاب المقدس؟ ببساطة كما نفعل مع أي أمر أو شخص آخر يسبب لنا الازعاج، لا أكثر ولا أقل! لكن المشكلة في السؤال ليست هنا، بل: وهل يسبب الكتاب المقدس الازعاج والمضايقات؟

ويبدو أنّ الجواب هو نعم!

فكُلَّما ابتعدتْ حياتُنا عن الشركة مع الرب، ستراه يتدخّل.

وكُلَّما انجرفتْ حياتُنا نحو حياة العالم والإعجاب بالخطية، ستراه يتدخّل.

وكُلَّما تهاونّا في ضبط أنفسنا بخصوص ما لا يليق بالرب واسمه القدوس الذي دُعي علينا، ستراه يتدخّل.

وسيتدخّل ويـُخرج للعلن حيث نرغب بالإخفاء.

وسيتدخّل ويصرخ بآذاننا حيث نرغب بالصمت والهدوء.

وسيتدخّل ويُذكّرنا حيث نرغب بالنسيان والغفلة.

وهكذا، لسبب أمانة الروح القدس الذي يرافق كلمة الله، سيُتابع الكتاب المقدس أعماله هذه في حياتنا، وسنتابع رغبتنا بالابتعاد عنه لزيادة رغبتنا في الغرق بما نحن فيه، فتتحول العلاقة بيننا إلى تنافر وتباعد مِن قِبلِنا، فما الحل؟

الحل سيكون مِن قِبلِنا الاهمال، والتمني لو أنّ فوضى ما تصيب بيتنا، يضيع في وسطها الكتاب المقدس وننساه!

لو أن الكتاب المقدس عنصر يومي فعال لما ضاع أو فقد!

فأين الكتاب المقدس في حياتك؟ ولماذا فقد؟

يوم اكتشف يوشيا هذه الحالة المزرية والخطيرة أمام الرب، بكى وصلى وطلب وجه الرب وإظهار مشيئته من جديد، والرب أجابه:

"مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ رَقَّ قَلْبُكَ وَتَوَاضَعْتَ أَمَامَ الرَّبِّ حِينَ سَمِعْتَ مَا تَكَلَّمْتُ بِهِ" (ع19)

يا ليتك في هذا الوقت – الآن - يرقّ قلبك، وتعود للرب بتعهدات تعيد الكتاب المقدس إلى دائرة الاهتمام الأبرز في حياتك، فتحفظ حياتك منيرة مشرقة لأنك تمسك بنور في وسط ظلام يحيط بك، كقول الكتاب المقدس:

"وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ".

وليبارك حياتك الرب.