الحلم  الكردي2

منذ أكثر من سنة من الآن كتبت عن غرابة الحلم الكردي في دويلة أو دويلات، لا تختلف كثيرا عن الدويلات العربية الغارقة بأحلام لم يتحقق منها شيء يذكر. ومنذ ذلك الوقت، تغيرت معطيات كثيرة في المنطقة عسكرية واقتصادية وبشرية وتراجيدية، ومما تغير أيضا الطريقة التي بدأ الأكراد بالحديث وبتحقيق مشاهد حلمهم.

وطريقتهم في الواقع ليست غريبة علينا، وذلك لكثرة محاكاتها للعرب عندما بدأوا بتطبيق حلم العروبة على سوريا، ولا نستطيع أن ننكر أن الأكراد كانوا من ضحايا تعريب سوريا.

ففي المناطق التي تحول مسلحيهم فيها إلى أمر واقع، بدأوا بتغيير أسماء القرى والمدن! لماذا؟ ما الفائدة من تغيير اسم بلدة حملت اسمها بضعة عشرات من السنين، وبعضها بضعة مئات من السنين؟ ثم بعض تلك البلدات تحمل أسماء سريانية، فعلى أي أساس يغيرون ويبدلون؟ أم أن القصة عملية "كردنة" الكل مهما كان الثمن، كما "عرب" أولئك الكل بأي ثمن؟

ثم رفضوا المناهج المدرسية، ولكن من أين سيأتون بمناهج مدرسية وسط حرب تحرق الأخضر واليابس؟ ومن أين سيأتون بمدرسين يملكون قدرة تعليم الأطفال اللغة والحساب والعلوم وسواها من المواد المدرسية؟ أم أنهم سيأتون بالمناهج الكردية العراقية؟ ولكن تلك تحتاج إلى ترجمة للغة الكردية السورية! ثم ماذا لو لم يتحقق الحلم؟ ماذا سيفعلون بجيل لا يعرف سوى اللغة الكردية "المحكية"؟

أما المشكلة الأكبر في هذا الحلم، أنه بدأ يأخذ أبعادا تاريخية. ففجأة بدأت الأخبار والدراسات والتحاليل تظهر لتؤكد "كردية" كل البلدات السورية على طول الشمال السوري الحالي، وأقول الحالي، لأن الشمال السوري الحقيقي يدخل في الأراضي التركية الحالية عشرات الكيلومترات.

كنا قد قبلنا أن الأغلبية السكانية في كثير من تلك البلدات هم الأكراد، بعد عشرات من السنين من التغيرات الديموغرافية التي فرضتها السلطة، والتي نشط بها الأكراد عن طريق شراء العقارات والولادات. نعم في السنوات الأخيرة الأغلبية السكانية لكثير من بلدات الشمال السوري هم الأكراد. أما أن يتحدثوا عن أحقية تاريخية في المنطقة، فكيف يحصل هذا؟ وبأي عصر جرى؟ إذا أين كان السريان والآشوريون خلال المئات المئات من السنين الماضية؟

رجاء، وأنتم تحلمون، وأنتم تسعون لتحقيق حلمكم، لا تستغبونا ولا تحرفوا التاريخ كما فعل المسلمون والعرب. كونوا واقعيين. فإذا هجّر جراد السعودية المسيحيين من تل تمر، واستوطنتم أنتم فيها، فلا تحدثونا رجاء عن العمق التاريخي للوجود الكردي في تل تمر وجوارها! وإذا باتت دياربكر "السورية" أساسا، مأهولة كليا بالأكراد، ونقبل هذا بشكل طبيعي، لكن لا تحدثونا عن تأسيس دياربكر من قبل الأكراد قبل مئات من السنين.

إني أتمنى ألا تغرقوا بالأخطاء البشعة والمرعبة التي وقع بها العرب المسلمون، وهم يحققون حلم الدولة – الدويلات العربية، التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه من مأساة.

كالغري 27 آب 2015