واحد بـ ألف

إنَّه سيناريو المفرح المبكي يتكرر ثانيةً في أرض العرب، وأقصد به حَدَث تبادل الأسرى بين المنظمة الفلسطينية الدينية والإسرائيليين.

بالنسبة لكثيرين مِنْ بقايا أصحاب الضمير مِن العرب، وبالطبع جداً بالنسبة للأسرى أنفسهم وعائلاتهم، فإنَّ مقالتي تأتي في توقيت سيءٍ جداً.

فأيّة فرحة تُضاهي لقاء الأمِّ أو الزوجة أو الأبناء الّذين بَلَغُوا، بِغائِبهم الذي سَافَرَ منذ سنين إلى سِجن لا يُعرف متى تنتهي غربته؟ حقاً إنّها فرحة لا تُقارن ولربما لا يمكن وصفها.

حقاً هنيئا لِلَمِّ الشمل ثانية، ودعاء لمن بقي خلف القضبان.

وبعد،

فليعذرني الأسرى المحررون وأهليهم، لأنِّني سأنتقل إلى الجانب المبكي مِن الحدث! والحدث لا يحتاج لِمَن يُفسره أو يوضح حيثياته، فهو بكل بساطة: واحد بـ ألف!

ألفُ سجينٍ بعضُهم قَضَى عمره وجلّ شبابه ورجولته خلف القضبان، مقابل سجين واحد فقط، يا للعار!

بعد كلِّ الإهانات التي أُصِيبت بها عُروبتنا وكرامتنا، خاصة في الآونة الأخيرة، يأتي هذا الحدث صَفعَة على وجوهنا أمام صفحات التاريخ التي طُويَت، وتلك التي تُكْتَب اليوم وستُكتَب غداً.

انظروا أيها العرب المتخاذلون،

آلافٌ مِن الأسرى قضوا ويقضون وسيقضون حياتهم خَلْف أسوار السجون، ولم نستطع إطلاق سراح واحد منهم، واحد فقط!

بكل أموالكم وحساباتكم البنكية، تلك التي يعيش منها الأميركيون وربما الإسرائيليون أيضاً، أو تلك التي جمَّدتها أميركا وأوروبا قصاصاً لأصحابها، كلها لم تستطع إطلاق سراح معتقل واحد.

بكل عنجهيتكم وفروسيتكم وقصص عنترة العبسي وهارون الرشيد وصلاح الدين، لم تستطع إطلاق سراح معتقل واحد.

بكل صداقاتكم وأحلافكم بطول الأرض وعرضها، لم تستطع إطلاق سراح معتقل واحد.

بكل رجوليتكم وأحاديث "الحريم" والعرض والشرف، لم تستطع دفعكم لإنجاز إطلاق سراح أسيرة واحدة من السجون الإسرائيلية.

يا للعار يا عرب!

واحد بـ ألف،

جندي واحد، واجتياح لكلِّ قطاع غزة – والحجة كانت الصواريخ – وحصار جَوّعَ وأَمَاتَ وأَذَلّ، ووساطة الصليب الأحمر والألمان والأتراك وسواهم وسواهم، وسنوات مِنَ الانتظار والبحث والمحاولات، وألف وسبعة وعشرون أسيرا، لتنتهي القصة بـ واحد بـ ألف!

يا ليتَ العرب قرروا أنْ "يبرطلوا" إسرائيل بمبلغ واحد بالمئة، ليس مِن النفط – حاشا لكم، فهذا أعطاه الله لبعضنا للملذّات أو للمؤامرات فقط، بل واحد بالمئة مِن مصاريف المجالس الرسمية ومصاريف الجامعة العربية ولجانِها ومصاريف لجان الحكومات ومؤسساتها، وسواها مِن تفاهات الرسميات العربية الجوفاء، لكنّا أطلقنا سراح كل الآلاف وبكرامة أكبر. هل "البرطيل" طريقة ليست أخلاقية؟ ربما، لكننا كُنَّا سَكبْنا ماء وجوهنا مرة وارتحنا، بَدَلَ أنْ نورِّث أولادنا عار سكب ماء الوجه!

عُذراً ثانية أيها السجناء الأحرار اليوم، وأيها السجناء الذين ما يزالون خلف القضبان، وعذرا أيها الأهل وأنتم في بداية فرحة اللقاء.

فالوجه القاتم الذي يذكرنا به حدث التبادل "المشين" هذا، أكبر وأعتم من كل الفرحة التي تملأ قلوب الآلاف منكم هذه الأيام. إنه حدث قاتم يضاف إلى لائحة القتامة التي يتلوَّن بها قرن العرب الحادي والعشرين، وإذا كُنَّا في العقد الثاني منه، نهبط إلى هذا الدرك، فماذا سيحصل في منتصفه أو في نهاية؟!!

العياذ بالله!

حلب 25 تشرين1 2011