من عظات الأحد

غالب أم مغلوب؟

"1 ولكن كان ايضا في الشعب انبياء كذبة كما سيكون فيكم ايضا معلّمون كذبة الذين يدسّون بدع هلاك واذ هم ينكرون الرب الذي اشتراهم يجلبون على انفسهم هلاكا سريعا. 19 واعدين اياهم بالحرية وهم انفسهم عبيد الفساد. لان ما انغلب منه احد فهو له مستعبد ايضا" (2بطرس 2/ 1و2 و19)

تشبه رسالة بطرس الثانية رسالة يهوذا من أوجه عدة، منها أنها أشبه بعظة قوية ومباشرة.

في هذه الرسالة يصرف الرسول مساحة كبيرة ليتحدث ويحذر من المعلمين أو الأنبياء الكذبة. الذي عرفوا أو يدّعون أنهم يعرفون الرب، لكنهم بكل ما يفعلون أو يقولون يبرهنون العكس، لكن بسبب خبثهم يضلُّون المؤمنين، لهذا تأتي هذه الصرخة القوية في هذا الاصحاح. تحذر من المخاطر التي يمكن أن تنتج عن فسح المجال لهؤلاء المعلمين الفاسدين.

واحدة من ميزات هذه الصرخة أنها تتحدث عن عبودية هؤلاء المعلمين لأمور كثيرة بالرغم من أنهم يدعون أنهم سيوفرون الحرية لأتباعهم، بينما في الواقع يجرونهم إلى عبودية لا تقل عما يرزحون تحته هم أنفسهم.

من هنا، ومما يقوله في العدد 19، نسأل السؤال الرئيس في هذه العظة:

من يغلبك؟ وبالتالي: لمن أنت عبد؟

نحن البشر، ومنذ دخولنا إلى هذا العالم وإلى مغادرته، نتنقّل بين حلبات مصارعة عديدة نتحارب فيها مع أخصام يبتغون غلبتنا، وغالبا الإنسان مغلوب من معظم أولئك الأخصام إن لم يكن من جميعهم. واليوم أنت كمسيحي حقيقي، كشخص تتعهد ملك المسيح على حياتك، ما تزال في صراع مع بعض أولئك الأخصام، لكن المعركة ونتائجها مختلفة بسبب ملك المسيح على حياتك، وبسبب مدلولات خسارتك أو ربحك للمعارك.

 

من يغلبك؟ وبالتالي لمن أنت عبد؟

-         مغلوب من المجتمع:

أول وأهم وأصعب عبودية نرزح تحتها هي عبودية المجتمع. هي عبودية نتعلمها باكرا جدا، لهذا نحن مغلوبون منها بلا معركة، وبلا مقاومة منا في الغالب.

فمنذ الطفولة يتكفل آباؤنا وأجدادنا وجداتنا وأعمامنا وأخوالنا وكل الكبار في عالمنا بفرض قوانين وعبودية المجتمع، حتى نصل إلى مرحلة لا نستطيع أن نميز صحيح ما تعلمناه من خطئه، بل معظمنا لا يتجاسر على المناقشة حتى.

انظر إلى العادات العائلية والعشائرية والمجتمعية التي ترزح تحتها ولم يخطر ببالك أن تفكر بصحتها أو بخطئها، ولم يخطر ببالك الاقلاع عنها، لماذا؟ لأنك ببساطة مغلوب، وبالتالي أنت عبد.

لاحظ معي، على سبيل المثال فقط:

مع أنك لا ترغب أن تزور فلان، أو لا ترى للرابط مع قريبك الفلاني معنى ما، لكنك تقوم بالواجب أكثر من اللازم لأنه "عيب".

مع أنك لا ترغب بالتدخين، وربما أنت نفسك غير مدخن، لكن تقدم الدخان كضيافة في مجلس عزائك أو حفلاتك، لماذا؟ لأنه: "عيب" ماذا سيقول علينا الناس؟

ولأنه "عيب" و "ماذا سيقول عنا الناس" تصنع الأكلات التي لا تحبها، وتمارس الطقوس التي لا تحترمها، وتذهب إلى المقابر لتزور الموتى الذين لا يحتاجون إلى زيارة، لأنهم أموات! وفي الواقع أنت توزرهم لأسباب كثيرة لا تعرفها، منها:

  • o       أنت لا تعرف إن كان هذا الواجب ديني أم اجتماعي؟!
  • o       لأن روح الميت ما تزال تحوم حول المكان وتحتاج أن تنطلق وهذا مخالف لتعاليم الكتاب المقدس.
  • o       لأن الميت يحتاج إلى صلواتك ورحماتك حتى يدخل السماء وهذا مخالف لتعاليم الكتاب المقدس.

وأنا أذكر أنني بدأت أسأل مبكراً عن سبب الصلاة للأموات يوم الموت وفي اليوم الثالث والسادس والتاسع والأربعين والثلاثة أشهر والستة أشهر والسنة ... وكان الجواب دائما الزجر والنهي، وكنت أقول أعتقد أن هذه كلها بلا قيمة، وخلال 25 سنة معظم هذه انتهى العمل بها، والناس تعبت من عادات اجتماعية دينية لا طائل منها.

 

-         مغلوب من المفاسد والخطايا:

ثاني أهم عبودية تبدأ بالتغلب علينا بعد المجتمع هي الخطايا والمفاسد صغيرها بداية ثم كبيرها.

فباكرا نتعلم في البيت كيف نكذب لأننا نرى البابا والماما يكذبون على الضيوف كذبات "بيض"، ولأننا نكتشف بسهولة أنهم يكذبون علينا أيضا "كذبات بيض" بحجة أننا "جدبان ما منفهم"، أو أنّ السؤال كان بالأساس عيب لا يمكن الاجابة عليه.

ثم نتلقّن مثل هذا أو ربما أثقل منه من أقربائنا، ثم عيار أثقل في المدرسة والشارع، وهكذا نبدأ بخوض معارك غالبا نكون فيها خاسرين، لأننا ندخل هذه المعارك بلا تجهيزات وتحصينات من كلمة الله وعلاقة قوية مع الرب.

ولأننا مهيؤن بسبب السقوط للميل إلى الخطية، نبدأ نتراخى في التعامل مع هذه المعارك، وفي بعض المرات نتلذذ الخسارة، وفي مرات كثيرة نفرح بها، وترى الأولاد يتفاخرون بأنهم نالوا علامة كبيرة بالغش، وأنهم استطاعوا أن يقنعوا المعلمة المغفلة أو الماما البسيطة بمجموعة كذبات!

وبعض الأهل يعتبرونه "كذب أبيض" أو "جهلة ما قبل المراهقة"، لهذا يضحكون أو على الأقل يبتسمون للحدث السعيد، أو العادي. وهكذا نبدأ نتراخى مع معارك الخطية، حتى ينطبق علينا وصف الكتاب " الذين اذ عرفوا حكم الله ان الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت لا يفعلونها فقط بل ايضا يسرّون بالذين يعملون" (رومية 1/32) أما إذا رفضت الاستسلام، وفضلت المعركة ضد الخطية فإنهم "يستغربون انكم لستم تركضون معهم الى فيض هذه الخلاعة عينها مجدفين"!!! (1بطرس 4/4)

وتقف اليوم لتصفر صفرة كبيرة وطويلة، أوف كيف وصلت إلى هنا؟ يعني إلى هذا الدرك من الخطية؟ والجواب بسيط لكنه مخيف: إنها سلسلة التراخي والاستسلام منذ سمعت الماما أو البابا يؤكدون بقسم أنهم مشغولون وهم يشاهدون التلفاز :والله مشغول لراسي!؟؟؟

 

-         مغلوب من الفلسفات والأيديولوجيات:

ثالث عبودية تبدأ تنخر بعقولنا غالبا مع بدء مراهقتنا هي الفلسفات والأيديولوجيات التي في غالبها فاسدة ومضرة، أو كأقل تقدير لا فائدة ترجى منها، تلك الفلسفات السياسية أو الاجتماعية أو الوجودية أو سواها.

لهذا ترانا بين 16 و25 ولدى بعضنا أكثر من الـ 25، نقفز ككرة البلاستيك (الطابة النطاطة) من نيتشه إلى هيغل إلى كيرككارد إلى كانت إلى ماركس إلى سعادة إلى المسيح إلى بوذا ... ولربما أخطر هذه الفلسفات والأيديولوجيات هي السياسية والعرقية القومية، والتي سأتوقف عندها هنا.

الأسبوع الماضي قال لي شاب: من سنين طويلة ما دخلت كنيسة. ثم أردف بعض لحظات: بس بتعرف أنا بفتخر إنو أنا سرياني! وماذا يعني أن تكون سرياني أو أرمني أو عربي أو كردي؟ ماذا سيقدم هذا وماذا سيؤخر في حياتك وفي خلاص نفسك وفي أبديتك؟ بل هكذا قال اليهود للرب يسوع: "إننا ذرية ابراهيم ولم نستعبد لاحد قط، كيف تقول أنت أنكم تصيرون أحرارا" (يوحنا 8/32)، يعني نحن الشعب وليس غيرنا، لكنهم بالنسبة للرب هم عبيد إذ خسروا كل معاركهم!

هل تعرف متى بدأ الإنسان بالسياسة والقومية والعرقية؟ بعد السقوط بقليل، لقد أتت هذه كناتج عن الخطية وإغراق الإنسان في الشرور. في بابل ونتيجة إغراق الإنسان في خطية التكبر على الله والاعتداد بالنفس، تبلبل لسانه وتشتت في جماعات لغوية بمعنى إثنية ولم يتب، بل أمعن في تكبره، فراح بشتاته يتكبر على الجماعات الأخرى على أساس أنه القومية أو العرق الأفضل.

هل تعتقد أن لغتك هي الأسمى؟ هي الأسمى في التعبير عن مدى ما فعلت الخطية بالإنسان - بك، لأن كل لغة هي تعبير عن محدودية الإنسان وحاجته لأدوات ليتحدث إلى الله.

من يغلبك ولمن أنت عبد؟

إنها الفلسفات والأيديولوجيات التي نستسلم لها لتملأ عقولنا وقلوبنا وتتغلب علينا ونصبح عبيدا لها، لا نعرف كيف ننظر إلى أنفسنا إلا من خلالها، ولا نعرف كيف ننظر إلى الآخرين والتعامل معهم وتقييمهم إلا من خلالها.

-         مغلوب من نفسك:

أمّا صراعنا الأكبر طوال حياتنا فهو مع أنفسنا، وكم ننغلب من أنفسنا، وبالتالي نستعبد لأنفسنا، ولا تستغرب هذا القول، نعم نحن في مرات كثيرة جدا عبيد لأنفسنا، يقول الفيلسوف سينكا: "إن عبودية الإنسان لنفسه أشق أنواع العبودية!"

إن محطات الصراع مع أنفسنا لا تنتهي، وبالتالي فإن محطات الغلبة في هذه الصراعات عديدة وربما جداً. ننغلب من أحلامنا من شهواتنا من عاداتنا الشخصية من البخل من الاستهتار من عقدنا واسقاطاتنا غير الصحيحة.

كم مرة قضيت الليل وأنت تقلب الأفكار وتأخذها في كل اتجاه، محاولا الهروب من نفسك ومما تميل إليه، لكن غالبا ما تفشل!

حاول أن تحصي ثم تقارن المرات والوقت الذي تصرفه في معارك مع الأمور السابقة ومع نفسك، لتجد أن معاركك مع نفسك هي الأشهر والأقوى والأصعب والأكثر فشلا في الانتصار عليها. وأقول لك إن السبب الرئيسي هو أنك لا تضع هذه الصراعات بين يدي الرب وتسلمه النقاشات الحاصلة بينك وبين نفسك ليتصرف بها.

والسؤال المهم في كل هذا: ممن أنت مغلوب؟ فما انغلب منه الإنسان هو عبد له! اسأل نفسك، وتجرأ على مواجهة نفسك والآخرين، ممن أنت مغلوب؟ وإلى أي مدى أنت عبد تنفذ الأوامر بلا أدنى امكانية للاعتراض أو التغيير؟ مهما كان ضخما الاستنتاج الذي ستصل إليه، أبشرك أن لك حلا ومنجاة بالمسيح المخلص، الذي يستطيع أن يصارع معك هذه الصراعات، وينتصر لك فيها. الأمر متعلق بك، ومنوط بتحرك من قبلك نحوه، اقترب منه وأخبره عن معاركك هذه وعن فشلك في كلها أو معظمها، واطلب عونا، ستجده أقرب إليك مما تتوقع.

وهذا السؤال يضع أمامك أنت يا من اختبرت المسيح مخلصا شخصيا سؤالا آخر هام: بماذا تُحدِّث الآخرين وبماذا تعدهم؟ هل أنت فعلاً حر؟ فهذه المعارك التي كنّا نتحدث عنها، في معظمها لن تنتهي بمعنى تنتفي من حياتك، ولكن الوعد لك أن تتغلب عليها دائما أو بالحد الأدنى في معظم المرات، فهل أنت حرّ فعلا؟ وعندما تأخذ خبر المسيح لتوصله للآخرين، هل تخبرهم أمورا حقيقية عن نفسك واختبارك أم تكذب عليهم كما المعلمين الكذبة في هذا الاصحاح، يبشرون بالحرية وهم أنفسهم عبيد، لأنهم بالأساس قد انغلبوا؟!

يقول الرب لك اليوم: "ان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون احرارا" (يو8/36). لعلك تقول: ولكنني ملَّكته على حياتي وبِتُّ حسب وعده حراً، لكنك تحتاج أن تسأل نفسك منذ ذلك الحين إلى اليوم: ما نتائج معاركي وصراعي مع نفسي أو مبادئي أو المبادئ التي يلزمونني أن ألتزم بها وسواها وسواها؟

 

ممن أنت مغلوب؟ يسوع يستطيع أن يحررك!

 

الأحد 13 تشرين الثاني 2011