الواعظ

 

الوعظ واحدة مِن الخدمات التي رافقتْ بدايات الحياة الكنسيّة منذ أيامها الاولى، ولعلّ هذا ناشئ عن المقام الرفيع الذي تَـمتّعتْ به الخطابة في تلك العصور. ولا ريب أنّ الوعظ عُدَّ وذُكِرَ بين المقدِّرات الروحية والخدمية التي يمنحها الروح القدس لبعضِ المؤمنين "لتكميل القديسين".

الواعظ بداية خَطِيبٌ، أو شخص صَاحِبُ بَديهَة، مُتمكِّن مِن الكلام بِطَلاقة، يَتَبحَّر في الكتاب المقدس والمعْرِفَة الروحية، يأتي بهما - أيْ الخطابة والمعرفة الكتابية - إلى الرب الذي بقوّة وحُضُور روحِهِ القدّوس يُخرج ِمن خلال هذا الشخص وَعْظاً فيه بَركة لأولاد الله. بمعنى آخر يَتَنبّأ الواعِظ للمؤمنين كلاماً خاصاً بحياتهم بتكريسهم وبتشجيعات ترفعهم إلى مستويات أعلى في التكريس والعطاء.

 واحدة مِن الإشكاليّات التي تُرافِقُ مَوضوع الوعْظ هي علاقته بالتعليم والكِرازة، بمعنى آخر، علاقةُ الواعِظِ بالرّاعي والكَارز. كُنا قد أَشْرنا في حَدِيثنا عن الراعي والكارز إلى نَدْرَة ارتباط الخِدْمَتين في الشخص الواحد، الأمر الذي لا يَنْطَبِق على هذه الـمـَلَكَة الرُّوحية -الطبيعيّة. يَعتقدُ البعضَ أنَّ الراعي واعظٌ بالتَّبَعِيّة، وبِشكلٍ حَتْمي، ولأنهم كما رأيْنا سابقاً يَعتقدون أيضاً أنَّ الـمُبشِّرين رعاةٌ بالتَّبَعِيّة، وهكذا تَـخدِمُ كنائس كَثِيرة لدينا، فإنّ خَدَمات الرّعاية، التَّعلِيم، الكِرازة والوعْظ إنَّما هي مُكوِّناتُ إمكانِيَّاتِ شَخصٍ واحد!

بِنَاءً على رأيْنا السابق في الرعاية والكرازة نَقولُ هنا:

يُمكن أنْ يَكونَ الراعي-المعلم واعِظاً أيضاً، ولكن هذا لا يُشكِّل شَرطاً مُلْزِماً. أمّا الكَراز فَنَرى أنّ تَوَفّر إمكانِيَّةِ الوعْظ لَدَيْه سَيَكون عامِلاً مُساعِداً جداً في خَدَماتِهِ ذاتِ الطَّابع الجمهُوري. وهذا يَعْني أنَّ الواعِظَ يُمكنُ أنْ يَكون راعٍ، ويُمكِنُ أنْ يَكون كارزاً مُبشِّراً، لكنَّه بالأساس وهكذا يُمكِنُ أنْ يَكُون دائماً "واعِظاً"

الوعْظُ خِدمة روحيّة قائمة بِذَاتِها، يَـخدِم صاحبُها الكنيسة خَدماتٍ جَلِيلة لا يُمكُن الاستغناءَ عنها، لكنَّها في الوقتِ عَيْنه لا تُلْزِمُهُ التَّفَــرُّغ لها، والانْقِطاع عَن كلّ أمرٍ آخر في الحياة كَما يَتَطلّب الأمر مِن الرعاة.

وهذا يَعني مِنْ ناحية أُخرى إمكانيّة تَوَفّر عَدَدٍ مِنَ الوعّاظ، حتى في الكنيسةِ المحلّية الواحدة، التي على ما يَبْدو يُمْكن أنْ تَضُمّ عدداً مِن الكارزين أيضاً، مُقابِلَ أنْ يكون فيها راعٍ-مُعلِّم واحد، وربما أكثْر في بعض الحالات.

إنّ إمكانية أنْ يكون الواعِظ راعٍ أو كارز، والتنوع الكبير الذي يُمكن أنْ تَضمَّه مَواضِيع الوعْظ، يَفْتَح المجال أنْ يكونَ الواعِظ مُتخصّصاً بِنَوع مُحدّد مِن الوعْظ، فَيُمكن أنْ يكونَ واعِظاً تَبشيرياً، أو واعِظاً تَفْسيرياً، أو واعِظاً تَشجيعياً تَـحفِيزياً.

أخيراً أُقدِّم كَلِمة تَشْجيع ومَدْح للوعَّاظ الـمُتجوّلين، وهم نَدْرَة مِنَ الوعّاظ يَنَالون دَعْوَة خاصة مِنَ الرب للتّفرغ كُلّيا لخدمة الوعْظ الـمُتَجوّل، وإنْ كُنّا نُفضّل أنْ يَكُون هذا التفرّغ مَقروناً بِمُداخَلة الكنيسة المحلّية أو مَجْلس الطائفة. والتِّجْوال خدمة قديمة في حياةِ الكنيسة وإنْ كان قدْ تَـمَّتِ الإساءَة الى إِنْجاز واجباتِها مِنْ حين لآخر. في الواقِع إِنَّنا نَرى أنَّ خِدمة الواعِظِ الـمُـتجوّل هي كِرازيّة بِشَكل رَئيس، أو بِنائِيَّة تَشْجيعيّة لكنَّها ليستْ تَعلِيميّة، إلاّ إذا كان الواعِظُ الـمُتجوّل يَخْدِم كنائِسَ تَنْتَمي لطائِفَتِهِ فقط.

حلب 6 نيسان 2014