تداعيات نقل السفارة

تُرى ماذا سيحدث إذا نقلت أميركا سفارتها من تل أبيب إلى القدس؟ مع كل التهديدات وعدم التطمينات وكم التحذيرات التي ترافق الحديث عن هذا الموضوع، ما المتوقع أن يحدث؟

لنقرأ ماذا حدث، وكيف كانت ردات الفعل عبر الزمن على أحداث مشابهة، منها ما هو أقل خطورة، ومنها ما كان أعظم شأنا بما لا يقاس.

فالسلطان العثماني عبدالحميد – حامي حمى الإسلام والمدافع عن دار السلام، رفض هجرة اليهود إلى فلسطين ومنعها بشتى الوسائل، وكانت النتيجة وصول آلاف اليهود إلى فلسطين قبل انهيار امبراطوريته وخلافته الميمونة!

وما بين سقوط السلطنة وانتهاء الانتداب، انتظمت أعمال تكوين كيان الدولة الجديدة، وانتظمت الاحتجاجات هنا وهناك، خاصة بعد وعد بلفور، وكانت خلاصتها إعلان دولة اسرائيل!

هدد العرب والمسلمون ووعدوا، وتوعّدوا، ووفوا بوعودهم، فكانت النكبة، وبعض اسبابها - وربما كثير من اسبابها - الخيانة!

وتوسعت إسرائيل!

بسطت سيطرتها على القدس، فكانت النكسة، وبعض أسبابها – وربما كثير من أسبابها، الخيانة. فغنت فيروز "إليك يا مدينة الصلاة"، وخرجت المظاهرات في كل البلدان الإسلامية تقريبا، واتهم نزار قباني ام كلثوم بالمساهمة في النكسة، واستقبلت سوريا والأردن ولبنان وسواها من الدول موجات جديدة من المهجّرين المُذلّين، وحشروهم في مخيامات كرَّستْ ذُلَّهم وخيبتهم!

ما بين النكسة والعام 1980، أُحرق، انْتُهِك ودُمِّرت أجزاء من الأقصى، أُحرقت المصاحف، صُودرت الأراضي. خرجت المظاهرات وأحرقت الأعلام، وازدهرت المقاومة الفلسطينية، ووقعت حرب تشرين، وخسر الأردن جزء من أراضيه، ومصر جزءا من اراضيها وكذلك سوريا ولبنان!

حصلتْ معاهدات السلام بين اسرائيل ومصر والأردن، وتبادلوا فتح السفارات، وخرجت المظاهرات، وأطلقت التهديدات، والأيمان العظيمة. وكانت النتيجة أن اصدرت إسرائيل 1980 قانون ضم كامل القدس للأراضي الإسرائيلية واعتبارها عاصمتها الأبدية!

وهنا ظهر القرار كأنه "القشة التي قسمت ظهر البعير"، فالجامعة العربية جنّ جنونها، ومنظمة التعاون الإسلامي كثفت لقاءاتها ومشاوراتها، وهدد الجميع بفتح حرب شاملة – تأكل الأخضر واليابس. وهكذا كان، اجتاحات اسرائيل لبنان، وبدأت مفاوضات أوسلو، وأعلنوا "إقطاعية" فلسطينية محروسة ومحمية ومحاصرة من الإسرائيليين، يستأذن رئيسها الشرطة الإسرائيلية كلما أراد التبول أو الخلود للنوم!

وجاء الرد من لبنان الذي طرد الإسرائيليين من أراضيه، وقسم الإسرائيلييون "الإقطاعية" الفلسطينية إلى "إقطاعيتين" متناحرتين، وأنهوا كل الحفريات تحت الأقصى، ثم شاركوا ببرمجة وتمويل التوحش العربي المدعو "ربيعا"، وجلسوا يتفرجون على تجربة التدمير الذاتي الذي تُجريه دول الجوار!

نعم، ربما سينقلون السفارة، وإذا فعلوا، ستنقلب الدنيا رأسا على عقب، تماما كما جرى في "السفارة في العمارة".

 

كالغري 20 كانون الثاني 2017

#pastorajji