وجهُها وعَيْنُكَ

 

قرأتُ مرة، لا أذكر أين، وربما هذه نقيصة لدي، أنَّ شَرَه الإنسان للطعام بدأ مع استخدامه الملح فيه.

لست أدري إن كان هذا واقعيا، ولكن هل حقا تكمن المشكلة في الملح؟ أعتقد أن الجواب لدى أحد أمثالنا الشعبية التي تقول: "الأكل ليس لك .. بطنك أليس لك؟" وهذا قاله أجدادنا في عاميتهم ليؤكدوا أن الشره لا يكمن في الطعام اللذيذ بل في الشهوة المنفلتة.

وها أنا قد أجبت على موضوعي قبل أن أبدأه، هل يعقل هذا؟! لكنني سأكمله على كل حال!

في مجتمعاتنا هاجس كبير عند العائلات والذكور فيها خاصة أن تحتشم الإناث في لباسهن، وهو هاجس مقبول، لكنه يحتاج إلى توضيحين:

الأول تحديد بيت الداء وهو: إنَّ مَكْمَن الشهوة ليس في الأنثى بل في عينِكَ وقلبِكَ! ولا أقصد أن بعض الثياب الخليعة التي نراها في الطرقات مقبولة ومرغوبة كلا، لكنها ليست بيت الداء حتما. فالكتاب المقدس يقول: "للنفس الجائعة كل مر حلو"، لهذا أُعْجِبَ البعضُ ببني جنسه، وبعضُهم الآخر بالدواب!

إنَّ المشكلة ليست بشكلها أو لباسها، بل إلى أين تدفع مشاعرُك عينيك للبحث والتنقيب. وهذا تماما ما قاله الرب يسوع: "كل مَن ينظر لامرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه". هل هي مستقيمة أم زانية؟ ليس مهما. هل ثيابها محتشمة أو فاضحة؟ ليس مهما، فالمهم عمّا فتشت عيناك وبما حدَّثَك قلبُكَ!

بماذا سينفعك أن يكون الطعام رديئا وأنت "فجعان"؟ وماذا يعني لك أن يكون الطعام بلا ملح ولا توابل، ما دمت قد قررت أن تأكل كل ما تقع عينك عليه؟ ولهذا تابع السيد بالقول: "إن كانت عينك اليمن تعثرك، فاقلعها وألقها عنك". انظر كيف أن الداء في وادٍ وعلاج الناس له في وادٍ آخر!

فواقع الحال يقول: إن أثارتك فاطلب منها أن تزيد اللباس، وإن أثارتك أيضا، فاطلب منها المزيد، وماذا بعد؟ ستبقى تتحرق في داخلك لماذا؟ لأنك تعالج العضو غير المريض فيك. فالعلاج الإلهي يقول: تكمن المشكلة في عينك وليس في وجهها، فإن أعثرتك عينك فغطها، وإن لم ترتدع اقلعها!

يكفي خداعا لنفسك وتبريرا لنزوتك وإباحة لشهوتك المنفلتة، واجه الحقيقة البسيطة: قلبك شرير يستخدم عينك لتكميل شهوته ورغبته غير اللائقة، فألبسه رداء الحشمة قبل أن تطلب منها ارتداء لباس الحشمة.

والتوضيح الثاني يأتي من ضرورة انتباه الذكور إلى أنَّ الإناث أيضا لديهن عيون تبحث لتشبع دافعا داخليا شريرا! وهذا يعني أن الحشمة المطلوبة منهنَّ يجب أن تكون مطلوبة منهم أيضا! خاصة في هذا الزمن الذي بات فيه الذكور يزوِّقون أنفسهم بتزاويق لم تكن مألوفة في العصر القريب.

وسيقول لي البعض إنَّ العلم يقول إن الذكور يثارون مِن النظر وليس كذلك الإناث إلى ما هنالك، أقول ربما هذا صحيح، ولكن الصحيح بل الأصح إنّ الشهوة شعور يأتي من الداخل، يستخدم الحواس للبحث عما يُشبعه.

لهذا على الذكور في مجتمع الذكور الذي ننتمي إليه أن يتنازلوا قليلا ويطالبوا أنفسهم ولو بقليل من الحشمة على أكثر مِن صعيد وشكل!

هل راقبتم مثلا بعض ثيابكم؟ وما تظهر وتبرز، وما تفضح وتدفع العين للنظر والتفتيش؟

هل راقبتم طريقتكم في الجلوس؟

هل راقبتم بعض حركاتكم وما يمكن أن توحي أو تشير إليه؟ أو ربما ما تقصدون أن توحي وتشير إليه!

اسمعوا كلامكم وبعض نكاتكم والكثير من تلميحاتكم؟

أين تكمن المشكلة إذا؟ وما الحل؟

إنها كليا في مشغولية قلبكَ؟

بماذا ينشغل قلبك، وما المشاعر التي يحركها والأفكار التي يولدها وأنت جالس في البيت بمفردك؟ وأنت تسير في الطريق؟ وأنت جالس في مكان عملك؟ وهذا تماما بيت القصيد في قول الكتاب المقدس: "حيث يكون كنزك، هناك يكون قلبك"، صحيح أنَّ النص قِيل للإشارة إلى محبة الله والعلاقة معه، لكنه يحاكي حقيقة لا تبديل لها وهي أن ما تراه وتعتبره الأهم، فذاك سوف يشغلك كل الوقت. و "كل الوقت" في حديثنا هنا هو: كل مرة تلتقي بأنثى! بل كل مرة تتوقع أنك ستلتقي بأنثى!

فلماذا لا تبدأ بقلع عينك؟ عفوا، أقصد أن تبدأ بمعالجة منبت المشكلة ألا وهو عينكَ وليس وجهها.

 

 

السبت 23 كانون2 2010