لغة عربية

إرهاصات قاعدة العدد (ج1)

أعتقد أن واحدا من أهداف ملايين الذين درسوا العربية هو:

معرفة الذي اخترع طلاسم قاعدة العدد في اللغة العربية؟ وأيضا:

معرفة المنطق الذي اعتمد عليه ذلك الفقيه الفهلوي لوضع خريطة العدد التي تُضيّع كل متتبعي تضاريسها؟

في الواقع أنا أسأل عن المنطق الذي اعتمده ذلك الإنسان، لأن قاعدة العدد تخرق منطقة اللغة العربية بأكثر من محطة ومكان. لاحظوا معي التالي:

تبدأ قاعدة العدد مع العددين 1 و2. لكن، لماذا نحتاج لقاعدة خاصة بهذين العددين؟

فالمفرد النكرة في العربية هو "واحد"، فما الأهمية من ذِكر أنه "رجل واحد" سوى في حالات توكيد خاصة؟ ومثله "رجلان". فرجلان مثنى، يعني ببساطة 2! ولن يُخطئ شخص فيعتقد أن المقصود هو ثلاثة رجال! أو أن يقول مثلا "رجلان اثنتان"!

أمّا الطامة الكبرى في قاعدة العدد فهي المتعلقة بالأعداد من 3-9 وربما 3-10!

فهذه تقوم على مخالفة العدد للمعدود في التذكير والتأنيث، يعني ليس "ثلاث رجال"، وهو المنطقي في اللغة، بل "ثلاثة رجال"!

فالطالب يقضي حياته اللغوية، يدرس الفروق الحاسمة بين المذكر والمؤنث، واستحالة الخلط بينهما. خاصة استحالة استخدام صفات الذكورة مع الاناث. لا بل أكثر من هذا بكثير، فحتى جموع الجمادات والحيوانات، تنطبق عليها قاعدة المؤنث وليس المذكر!

ثم يأتي الفقيه اللغوي، ويضرب كل ذلك الفصل العنصري بعرض الحائط، ويضرب رأس الطالب بالحائط نفسه ليُعلِّمه أن المعدود المذكر يأخذ عددا مؤنثا! أيّ منطق هذا؟

أنا أتخيل أنَّ من أضاف هذه القاعدة كان بلاد آسيا الوسطى، عادة ما اختلط عليه المذكر والمؤنث بالعربية، فحوّل الخطأ إلى قاعدة، وابتلينا نحن!

تحتوي قاعدة العدد باللغة العربية أكثر من سبعة تصنيفات لا معنى لها، يلحقها عدد أكبر مخصص لاستثناءاتها، ثم تلحقها مصائب أخرى متعلقة بالعدد التراتبي، تعمل كلها على انتاج ارهاصات لغوية عددية يعاني منها متعلموا اللغة العربية كلهم، في كل جيل وكل بقعة من الأرض - بما فيهم أنا طبعا!

وعلى ما سبق، من المؤكد أنه سينبري بالاعتراض أولئك الذين يعتقدون أن القرآن حارس للغة العربية، وبالتالي سيتأثر بأي تغييرات قد تطرأ على عُقَد اللغة.

أولئك، أرغب أن أطمئن قلوبهم، أن قاعدة العدد حُبل بها بعد القرآن بكم مية سنة! وأذكّرهم، أنه لما كُتب ذلك الكتاب، كانت بعض أحرفنا غير مستخدمة. ولم يكن هناك تمميز - مثلا - بين "عَشَر" و "عَشْر". لا بل أكثر من هذا، فحتى بعد القرآن بكم مية سنة كتب صاحب الصحاح: "عَشَرَةُ رجال وعَشْرُ نسوة. وتقول: إحدى عَشِرَةَ امرأة، بكسر الشين. وإن شئت سكَّنت إلى تِسْعَ عَشْرَةَ. والكسر لأهل نجد، والتسكين لأهل الحجاز".

إذا، القاعدة تتعلق بلهجة القبيلة من ناحية، ومن ناحية أخرى تتعلق بـ "إن شئت"!

فلماذا لا يشاء فقهاء اللغة بتركها مفتوحة أو ساكنة في كل حال، فيصير العلم أسهل وأبسط لكل قبائلنا؟

كالغري 22 حزيران 2021

 

إرهاصات قاعدة العدد (ج2)

 

أعود لمشكلة قاعدة العدد، وسأبدأ من الاستنتاج الذي ختمت به المقالة الأولى:

إذا، القاعدة تتعلق بلهجة القبيلة من ناحية، ومن ناحية أخرى تتعلق بـ "إن شئت"!

بالحقيقة، إن معظم القواعد العسيرة، غير المنطقية ومثلها استثناءات اللغة، نتجت عن لهجات القبائل العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى مشيئة بعض فقهاء اللغة "المدعومين" في زمانهم.

ولأن أي منطق سليم يمكن أن نستخدمه، سيقودنا إلى ضرورة تعديل قاعدة العدد وتبسيط عُقَدها، اُقدِّم هنا اقتراحا، سيبدو للبعض مُضحكا، وللبعض الآخر، تعدٍ غريب على اختصاص لا يفقه به صاحبه – يعني أنا. لكنني أصرّ على عرضه، ومن خلاله أصرّ على دعوة حراس اللغة لإعادة النظر في أسباب عدم تمكن الناس من لغتهم.

فإذا شاء فقهاء اللغة تبسيطها وتجاهل بعض اللهجات المختلفة، سينتج لدينا التالي:

 

العددان 1 و2، لا حاجة لإضافة قاعدة خاصة بهذين العددين، فالأول مفرد بطبيعة الحال، والثاني سيتعرَّف عليه الطالب في درس المثنى. ولا حاجة لإضافة عدد خلف المعدود إلا في حالة خاصة كالتوكيد مثلا.

جاءَ رجُلٌ إلى البيت      رأيتُ سيدةَ تقرأ

جاءَ رجُلانِ إلى البيت    رأيتُ سيّدتَيْنِ تَقْرآن

 

الأعداد 3-10، تسير القاعدة ببساطة مع منطق اللغة الشائع: يتشابه العدد والمعدود في التذكير والتأنيث. مع المحافظة على الشين ساكنة في كل الأحوال.

ثلاثُ رِجال      ثلاثَةُ نساء

ستقول لي، ألا تشعر بركاكة الصوت والحركات؟ وسأجيبك: نعم هي كذلك الآن، لكنك بعد قليل ستعتاد أُذنك عليها وتستسيغها، تماما كما حدث عندما اعتادت آذاننا على مخالفة المذكر والمؤنث، وهو شاذ في اللغة!

 

الأعداد 11-19، تساير حالة هذه المجموعة، مجموعة الأعداد السابقة، بمعنى توافق العدد والمعدود بالتذكير والتأنيث. أما الاختلاف هنا فهو تشكيل العدد من كلمتين او مقطعين، لكن القاعدة تنطبق على الكلمتين كما في هذه الأمثلة:

أَحَدَ عَشْرْ رجُلا             إِحْدى عَشْرَةَ سَيِّدَة

إِثْنا عَشْرْ رجُلا             إثْنَتا عَشْرَةَ سَيِّدَة

ثَلاث عَشْرْ رجُلا            ثَلاثَة عَشْرَةَ سَيِّدَة

اَرْبَعَ عَشْرْ رجُلا            أَرْبَعَة عَشْرَةَ سَيِّدَة

 

الأعداد المسماة "ألفاظ العقود"، إن قاعدتها الحالية بسيطة كونها تتبع طبيعة نطقها كجمع مذكر سالم، أو كما يرغبون بتسميتها "ملحق بجمع المذكر السالم"، وتبقى في النطق نفسه في كل حالات استخدامها.

عِشْرُون "عِشْرِين" رجلا 

عِشْرُون "عِشْرِين" سَيِّدة

مِئَة رَجُل          مِئَة سَيِّدة

أَلْفَ رَجُل         أَلْفَ سَيِّدة

 

الأعداد 21-99، مرة أخرى يمكن اعتبار هذه المجموعة تتبع مجموعة 11-19، بمعنى يتوافق العدد والمعدود بالتذكير والتأنيث، ويكون الاختلاف في ألفاظ العقود التي تبقى ثابتة لا تتغير.

خَمْس وعِشْرون رجلا      خَمْسة وعِشْرون سَيِّدة

ثَلاث وثَمَانُون رجلا        ثَلاثة وثَمَانون سَيِّدة

 

بهذا الشكل، تتحول قاعدة العدد إلى حالة بسيطة ومنطقية، يمتلكها الطالب بسهولة، كما أنها تبقى يَسِيرة على الذين نسوا معظم قواعد اللغة واستثناءاتها.

مع هذا الشكل من التبسيط، لاحظوا كيف تصبح فكرة العدد:

يَتْبَع العدد المعدود بالتذكير والتأنيث في كلِّ الحالات،

ما عدا ألفاظ العقود التي تبقى باللفظ عينه مهما كان موقعها من الجملة!

 

وفي توضيح هذه القاعدة يمكن إضافة التالي:

-       لا يحتاج المعدود المفرد والمثنى إلى عدد يرافقه، إلا إذا استحسن الكاتب ذلك لغاية تخدم جملته.

-       يبقى حرف الشين ساكنا في كلمة عشر و عشرة.

-       في الأعداد 11-19 والتي تتألف مِن كلمتين. يكون العدد بكلمتيه مذكرا مع المعدود المذكر ومؤنثا مع المعدود المؤنث.

 

ربما يَتَساءل القارئ: أين المشكلة في تبسيط من هذا الشكل؟

المشكلة تَكْمُن عند فُقهاء اللغة، والذين أرغبُ أنْ أسمّيهم "حراس اللغة". أولئك الحُراس وعَبْر كل الأجيال اختاروا أن يكونوا حرّاس خَوْف وليس حرّاس رعاية وازدهار.

أولئك اختاروا مَنْهَج الخوف في حِراستهم، فاحاطوا اللغة بأسوار لا يمكن اختراقها، ولا يجوز المساس بها وإلا انفجرت وماتت وقتلت الجميع.

بينما لو أنهم اختاروا منهج الحراسة للرعاية والازدهار، لكانوا استعاضوا عن الأسوار بجنائن واسعة تتحرك بها اللغة ومُرِيدُوها بِيُسْر وفرح، وَلَعَدّلوا فيها بما يتيح لِمُرِيديها الاستخدام الأسهل والأبسط.

 

كالغري 29 حزيران 2021