كنيسة "كل مين إدو إلو"

مِن أصعب الأدواء التي أتت بها بعض الكنائس الإنجيلية وبعض تياراتها ذلك التحرر من السلطة الكنسية والسلطة الروحية التي ترزح تحتها الكنائس التاريخية. ويعتبر هذا "التحرر" كالماء للعطشان لكثير من حديثي التأنجل! حيث كانوا استصعبوا أو ربما تعبوا أو ربما ملوا أو ربما مجرد رغبوا في تغيير كنسي أو روحي ما! وأنا أعتقد أن البعض شربوا من هذا "الماء" من باب الموضة أو الصرعة الدينية – وليعذرني من استصعب قولي هذا.

في الواقع - وأقصد في التطبيق العملي اليومي - كثيرا ما نُواجَه بوصول هذا "التحرر" إلى مستوى التحلل من الكنيسة ودورها، وذلك بدءا من اسم الكنيسة إلى نوع وطريقة الانتماء إلى دورها في حياة المؤمنين إلى دور المؤمنين في الكنيسة إلى ما هنالك من مستويات "تحررية" يبدو أنها مصممة أو أنها تصمم نفسها لتواكب التغيرات التي تحيط بنا والتي صُمّمت لتخرب بيوت الناس.

فهذا من يُنِّظر في التمييز بين الكنيسة المحفلية أو المجمعية واجتماعات البيوت أو تجمعات المؤمنين أو لقاءات عفوية تجمع بعض المؤمنين.

وذلك ينِّظر لك بخصوص حق الكنيسة أو عدم حقها في وضع القوانين الكنسية أو الضوابط الحياتية للمؤمنين، فكل مؤمن على بعض "الطريقة" الإنجيلية - حرّ، فماذا يعني إذا حضر فلان الكنيسة أو لم يحضر؟ وماذا يعني إن عاش على هذه الطريقة أو تلك الطريقة؟ أليس في النهاية له إقرار مسيحي ما؟ ثم من أعطى هذه الصلاحية لفلان أو علتان حتى يتكلم أو يوجه ملاحظات أو يتابع مقررات كنسية ما؟

وهكذا إلى ما هنالك من الموضة المسيحية – الكنسية التي تجتاح بعض الأوساط من المسيحيين، وخاصة طبعا منهم الإنجيليين أو من أسميتهم حديثي التأنجل!

والخلاصة أنك تحصل على نسخ معدلة "وراثيا" لها صفات تشبه هذه: له معرفة تتراوح بين الضعيف إلى المتوسط في بعض الكتاب المقدس وبعض الأمور الروحية، يجادل الجميع بصحة ما يعرف ويقوم عليه، لا يواظب على الكنيسة حيث أن الكنيسة فشلت في اظهار النموذج الإلهي للكنيسة، أو الكنيسة تضغط على ضمائر الناس، أو الغذاء الروحي الذي يحتاجه المؤمن لا يتضمن جرعة اسمها "الكنيسة"، وأنه لا مانع لديه من حضور أية كنيسة، ولكنه في الواقع لا يذهب إلى أية كنيسة، وفي حال حصل وذهب إلى كنيسة، سيجلس ناقدا كأنه في معرض فني، ينقد هذا الترنيمة وتلك الصلاة ويفند العظة التي يسمعها إما لغويا أو لاهوتيا أو أخلاقيا أو ... أو لا يتنازل أبدا لينتقدها على أساس أن الواعظ نفسه لا يستحق أن يوضع على طاولة النقد!!

والمصيبة إذا سألت أو طالبت أحدهم بحضور الكنيسة، ستجد أنه يصور لك الواقع الكنسي مأساة القرن، أو صورة عن حادث سير على طريق سريع، أو حلبة مصارعة ثيران انتهت المباراة فيها للتو، ليصل معك إلى الخلاصة التي ستقول له فيها "الحق معك إنك ما تجي"!

وماذا يريدون؟

أنا أعتقد أحد أمرين: إما أنهم لا يعرفون ماذا يريدون، أو أنهم يريدون كنيسة "كل مين إدو إلو"! يعني يحضر أو لا يحضر، يصلي أو لا يصلي، يشارك أو لا يشارك، يقرأ أو لا يقرأ، ينتمي أو لا ينتمي وسواها وسواها، كلها سيان.

والواقع لو أن هذه الفئة من المسيحيين، لو أنهم قرأوا بالفعل بعضا من سفر أعمال الرسل والرسائل في العهد الجديد لوجدوا أنهم إنما يخرِّبون كنيسة الله، ولكن أغلب الظن أنهم لا يقرأون مفتشين ومتسلحين برغبة التعلُّم.

وأقول أيضاً، إن الواقع يؤكد أن الحياة الكنسية صعبة وعسيرة، لأنها تقوم على تحديات كبيرة وحقيقية وواقعية لا يرغبها معظمنا، فالالتزام الكنسي:

يعني الولاء، وهذا وقت ننحو فيه نحو فرديتنا

يعني العطاء، وهذا عسير على كثيرين منا

يعني التغيير والتعديل لصالح الجماعة، وهذا أبعد ما يريده إنسان اليوم

يعني الخضوع، والطبيعة القديمة تأبى إلا التمرد

يعني الإقلاع عن الشر و"شبه" الشر، وهذا يعني فسحة لآخر في حياتي وقراراتها، وهذا ما لا نطيقه

الإلتزام الكنسي يعني درب طويل من التغيير في الفرد نفسه وفي جماعة الكنيسة نفسها والمجتمع عامة، وهذا أبعد ما يصبو إليه مجتمع الــــ "فيس بوك" حيث بعض كلمات لا معنى لها تُغنيني عن كل هذا الهراء!

وإنني أرى أن أفضل وصف لهذه الفئة من المسيحيين هي ما قاله الرب "زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تلطموا". يعني تركتم كنائسكم التي أعطيتموها ألقابا سلبية كثيرة، أقلها أنها دكتاتورية أو لا تأبه ولا تهتم، أو أنها تتضمن تعاليم لا توافق الكتاب المقدس، وأتيتم إلى كنائس استخدمتم الحرية فيها للتحلل من كل ضابط، وأسميتم المتابعة والاهتمام بالتدخل بشؤون لا تعنينا، وفقتم من سبقكم معرفة وعلما وتحليلا حتى وجدتم أخطاء في التعليم! أي تناقض هذا الذي تعيشون فيه؟ وأي تشتت تعذبون أنفسكم به؟

إن خلاصة الأمر: أن الكنيسة هي جماعة المؤمنين المحلية، أي التي تنتمي إلى جغرافيا واحدة محددة، تلتزم معا، وتتشارك بما في وبما على هذه الكنيسة – الجماعة ما تواجهه وما يصيبها. أما أولئك الذين يعتقدون أنهم ينتمون وهم على هذه الأرض إلى "الكنيسة غير المنظورة" فقط، فهم في غيٍّ وتيه، ومثلهم من يعتقد أن الموضوع مختصر بعلاقة الفرد الواحد مع الله مباشرة وفقط كل فرد بمفرده.

إن سر الكنيسة وجمالها أنها تتمثل وتتجسد - تماما وكليا - في كل جماعة محلية، كما أنها تتكون من كل تلك الجماعات مشكلة كنيسة واحدة هي عروس الرب يسوع المسيح!

فهل أنت جزء من هذا الكيان الفريد؟ أم تخدع نفسك بفردية مسيحية عقيمة الانتاج؟

حلب 7 آب 2011