الراعي والمبشر

لا يبدو مِن العسير التمييز بين خدمة – موهبة – الرعاية والتبشير. فالأولى يَبْرع صاحبُها بعمل الـمُعلّم والأب والمدير وسط جماعة المؤمنين، والثانية يبَرْع صاحبُها بالاقناع والعلاقات العامة التي يُوظّفها مِن أجل هدف واحد كبير هو إيصال بُشرى الخلاص بيسوع المسيح.

كذلك يبدو مِن الواضح كنتيجة لهذا، أنّ الـمُبشِّر يكون الوسيلة التي تُغذّي الكنيسة بالأفراد الجدد، بينما يعمل الراعي على تعليم ومتابعة حياة أولئك الأولاد الجدد.

لهذا غالباً – وربما دائماً – لا تجتمعُ الموهبتان في شخص واحد، لأنّ المكوّنات الشخصية ومُتطلبات كلّ منهما وطريقة التعامل بسببها مع مختلف أصناف الناس مختلفة ومرّات لا تتلاقى! وبالرغم من هذا التمايز بين الخدمتين، وصفات الموهبتين، فإنّ الناس تخلط بينهما خلطاً مزجيا لا حدود له، ولهذا أسباب عدة، أسوق منها هذه الثلاثة:

الأول، نقص التعليم والشرح والتفصيل ودروس الكتاب الممنْهَجة، التي توضح وتصف الفرق بين خدمات الكنيسة المتنوعة، ومواهب الروح القدس المتعددة. وهذا النقص كبير، بل هو في كثير مِن كنائسنا فَقْر مُـمِيت. وأكثر ما ظَهَر هذا النقص المخيف، يوم بَدَأ التيار الخمسيني تخبطاتِهِ في المنطقة، وموضوعه الرئيس – طبعا - مواهب الروح القدس، حيث ظَهَرتْ فيه الكنائس بِمجملها ضعيفة أمام موضوعٍ "كتابي" ولكنّه أقلّ المواضيع الكتابية ظهوراً في الكنائس، حتى ظَهَرت بعض الكنائس كأنّها عدوة لعمل الروح القدس فيها وبين أفرادها!

الثاني، يتمثل بأنّ معظم الرعاة المسؤولين عن كنائس في المنطقة هم مُبشّرون اقتحموا الرعاية، بمعنى تعلموا "المصلحة" بالخبرة وتقادم السنين. ولانعدام النموذج الصحيح للراعي، صار المبشر الـمُتخبّط في أعمال الرعاية ومهمامها، هو النموذج الطبيعي والمقبول للراعي وعمل الرعاية.

الثالث، مفهوم وخدمة الكرازة التي تملأ عقل وفهم وحركة خُدّام الكنائس ومسؤوليها. فَلَقَد تَصاغَرَتْ، وفي بعض الحالات تَلاشَتْ خدمات كثيرة جدا، أمام خدمة الكرازة، فالجهود كلّها صُبت في الكرازة، والتعليم كله غايته الكرازة، وتحضير الخدام والنشطاء في الكنيسة غايته الكرازة، وهكذا لم تَعدْ هناك أهمية لأّي نشاط آخر، أو سدٍ لأيّ احتياج في الكنيسة أو لدى الأعضاء، يكفي أنّنا ننجز عمل الكرازة، ولكن على هامش هذه المقالة أسأل: هل ينجح عمل الكرازة فعلا كما نشتهي ونرتب له؟

إنَ كنيسة يَتولّـى شؤونها مُبشّر يعمل عمل الراعي،

ستراها مكتظة بالمواظبين، ولكنّ مُعظمهم لا يعرف الانتماء ولا العضوية.

ستراها كثيرة الـخُـدّام، أو الذين يشاركون بخدمات ما، ولكنّ مُعظمهم لا يستمرّ في خدمته لوقت طويل، ومِن ناحية أخرى، سترى كثير منهم يشارك بخدمة لا تتوافق وشخصيته وامكانياته المادية البشرية ولا الروحية.

ستراها تُـخـرّج مُبشّرين، ولكن ليس مُدبّرين ولا رعاة، وسترى أولئك بعد قليل سيذهبون بحملات تبشيرية في مناطق جديدة وينجحون بخدمتهم، تماما كما فَعَل راعيهم – مُبشّرهم – وسيؤسّسون كنائس يَرعونها وهم ليسوا رعاة!

سترى مشاكل ومتاعب في العلاقات الزوجية والعمل والعلاقات العامة والصداقة، تماما ككل جماعة تتفاعل مع بعضها ومع آخرين، ولكن غالبا ستجد الحلول – إنْ وجدت – مُهلهلة مَرَضِيّة، تُقارب كلّ شكل بدائي لفهم وحلّ الأزمات والمشاكل التي تعترض أولاد الله في مسيرتهم في هذه الحياة.

سترى أعضاءها يستظهرون كلّ آية تتعلّق بالكرازة مِن قريب أو من بعيد، وقادرون على اقتناص أية فرصة للحديث عن المسيح المخلِّص، مقابل معرفة هزيلة وفي بعض المرات معدومة في كلّ تعليم وعقيدة وتحدّ فكر يواجههم كمسيحيين ملتزمين بالإيمان المسيحي.

وكثيراً ما ستسمع بعض أو كلّ أعضاء تلك الكنيسة يَصِفُون راعيهم – المبشر: ليس أنشط ولا أكثر فعالية وحيوية مثل راعي كنيستنا، ولا قلب أطيب مِن قلبه، إنه مثل أب. ولكن هل هذه صفات الراعي أم المبشر!

مع تقديري لكلّ مُبشّر كَرَزَ مِن كلّ قلبه مُستخدماً كلّ وقته، ونجح، ثم انتقل مع الذين كرز لهم إلى خدمة الرعاية، وأنا أعرف منهم كثيرون، وأقدّر شخصيّا جهود بعضهم تقديراً كبيراً جداً، لكنكم يا شركائي بالخدمة لستم رعاة، ولا الخدمة التي تجتهدون بها واضعين جهودا مضنية لانجاحها هي خدمة رعاية، فأنتم مبشرون.

إنّني أدعوكم، أنه كما كُنتم جَريئين جداً فانطلقتم للعالم لاجتذابه للمسيح، كونوا أيضاً جريئين بأنْ تَعتَزِلوا خدمة الرعاية، وتستدعوا خادماً وَضَع الربّ في قلبه وبرمج عقلَه على عمل الرعاية لأنّ هذا سيُنجح خدماتكم أيما نجاح.

حلب 14 آذار 2014