المجيء الثاني وقيام "إسرائيل"

 

في هذه المقالة أعرض لموضوع المجيء الثاني للرب، بشكل مختصر جدا، مُذكرا بالبداية بحاجتنا – بحاجة كل إنسان - دائما لمعرفة الرب يسوع، كما يقول القديس بولس، والتشبه به، والوصول في سلوكنا وحياتنا وقراراتنا إلى ملء قامته، بمعنى التشبه به بالكامل. بحاجة كلُّنا أنْ يُثمرَ فينا الروح القدس، ثمارا تليق به، وتشير للمُخلِّص، وتعطي المجد للآب.

لكن:

بسبب رغبة البعض الشديدة في الحديث بهذا الموضوع.

ولسبب استخدام البعض الآخر هذا الموضوع فخاخا وتهما سخيفة يلقونها شرقا وغربا.

أُوجِز فيه الحديث بما يلي:

 

تحدَّثَ العهد الجديد كثيراً، كذلك العهد القديم، عن المجيء الثاني للرب يسوع المبارك. إنْ بأمثال عديدة متنوعة على فم الرب كما في متّى 25، وبأخبار مباشرة عما سيحدث قُبيل مجيئه كما في متّى 24، وبأوصاف متنوعة مع الرسول بولس كما في كورنثوس الأولى 15، ولربما جزء كبير من تسالونيكي الأولى ومعظم تسالونيكي الثانية كان لهذه الغاية.

 

كذلك، كان هذا الموضوع مادة دسمة لدراسات ومناقشات آباء الكنيسة عبر عصور عديدة، خَفَتتْ حِدّتُها، وضَعُفت وَتِيرَتُها، منذ أنْ نَسيَت الكنيسة "اجمالا" عودة ربها، وانشغلت بأمور كثيرة غيرها.

في غمرة الاصلاح، درس "المحتجون" الأوائل والباحثون الكتاب المقدس من جديد وبإمعان، ووقعت بأيديهم كتابات الآباء فأعادوا قراءتها، ومما أعادوا إحياءه منها، كان الدراسات والنظريات المتعلقة بعودة الرب والظروف المحيطة والمترافقة.

وأقول النظريات، لأن كثيراً من نصوص الكتاب المقدس المتعلقة بهذا الموضوع، لا يمكن الجزم بها تفسيريا بشكل قاطع، وبعضها يحتمل تأويلات متعددة، لهذا ظهرت نظريات متعددة في الأمر.

ومادام المفكرون والمصلحون والمنظرون الأُوَل تَوزّعوا في مدارس ومناهج وطرق متنوعة، فمن المنطقي أن يكونوا قد تبنّوا بشكل غير متشابه تلك النظريات وتفرعاتها.

واحدة من هذه النظريات، يَعتقدُ أصحابها أنَّ واحدة مِن علامات قُرب عودة الرب، هي عودة اليهود إلى فلسطين وقيامهم ككيان سياسي "مملكة داود القديمة".

ويجب أن ينتبه القارئ إلى أن هذه النظرية على ما يبدو كان لها في زمن الآباء سطوة وسيادة، فحتى المسلمون، على اختلافهم، يعتقدون بأشكال وطرق متفاوتة في اقتران نهاية الزمان مع تجمع اليهود في فلسطين مع "الآتي" الذي سيقضي عليهم! بل إن مسلمين كثيرين يرون فيما يجري الآن في فلسطين، جزء من نهاية الزمان هذا، واقتراب ظهور المسيح!

مع قيام الحركة الصهيونية في الغرب، واستقرارها في أميركا بشكل خاص، استطاع قادتها ومنظِّرُوها الاستفادة من هذه النظرية، لتشجيع الاهتمام باليهود والعطف عليهم، ومساعدتهم على قيام دولتهم، الذي صوّرون كمساعدة للمسيح في تسريع عودته.

طبعا تفاعلت بعض الكنائس هناك مع هذه الدعوة التي غالبا ما كانت مُغلَّفة مخبأة على المؤمنين، كما لاقت حتما تأييدا عند المستثمرين وأصحاب المصالح، فكانت قوةً في يد الامبريالية في توسعها وبسط سلطانها.

هل نؤمن بهذه النظرية؟ وإن كنا كذلك، فهذا لن يكون جديدا على تاريخ الفكر المسيحي! اقرأوا كتابات الآباء!

هل نؤمن بهذه النظرية؟ وإن كنا كذلك، فلن نكون الوحيدين، لأننا سنشبه مسلمين كثيرين من سنة وشيعة يعتقدون الأمر عينه.

لكننا لا نعتقد بهذه النظرية لعدة أسباب منها:

ü   منذ المسيح، منذ التجسد والصلب والقيامة، ورفض اليهود للمسيح كالملك والمخلِّص، توقَّف تعامل الله مع اليهود كشعب خاص، وأصبح المؤمنون بالمسيح هم شعبه وكهنته وأداته في نشر بشارته.

ü   أيضا منذ المسيح، أي الذبيحة المباركة العظيمة الفريدة التي قدَّمَ يسوع المسيح نفسه فيها على الصليب، والدم الذي سُفِكَ لأجلنا، لم يَعُد هناك أية فرصة أو امكانية لأية ذبيحة مهما كان نوعها، فكلُّنا يعرف أن ذبائح العهد القديم إنما كانت إشارة إلى الذبيحة الكاملة التي قدمها ابن الله على الصليب.

ü   بمعنى آخر، أهلا وسهلا بهم وبغيرهم مؤمنين "بيسوع المسيح ابن الله الوحيد المخلِّص"، وبدون هذا لا مجال لأي تعامل خاص، فالرب نفسه قال "أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي".

ü   لا نجد في حديث الكتاب المقدس بهذا الخصوص، تشجيعا على تجميع اليهود، بل على نشر البشارة حتى لليهود، كما يتمنى الرسول بولس في رسالة رومية. وعلى حياة لائقة منتظرة لعودته المجيدة.

ü   لا يمكن أن يكون ما يجري في فلسطين منذ ستين سنة وحتى الآن تحقيقا لرغبة الرب يسوع المسيح وتسريعا لمجيئه، مع كل هذا العنف والدمار والقتل والجماعي. نحن نعرف يسوع الذي مات محبة بالانسان الخاطي، ولا معرفة لدينا بـ "يسوع" الذي يقتل الناس.

ü   صحيح أنه لدينا معتقدات روحية نتمسك بها، ولكن تلك الأرض هي أرضنا أيضا، وذلك الشعب المقتول كل يوم هو شعبنا، وتلك الكنائس المأسورة هناك هي كنائسنا! فلا يُزاوِدَنَّ علينا أحدٌ بترّهات الخيانة والتعامل مع فلان وعلان. لقد كنَّا كإنجيليين وكمسيحيين في هذه المنطقة دائما مضربا للمثل بالوطنية والامانة والتضحية. وليقرأ "أرباع المثقفين" بعضا من تاريخ النهضة القومية في بلاد الشام، ليرى دور المسيحيين فيها والإنجيليين خاصة.

أخيرا لنبدِّلَ صيغة السؤال الأساسي، لنجعله التالي:

لماذا تعليم المجيء الثاني في الكتاب المقدس؟

وإن كانت هناك أفكار عديدة، فإن الوحي المبارك يُركِّز بشدةٍ على الربط بين عودة الرب و "الانتظار". يسوع آت سريعا، ربما الآن ربما غدا، كما يقول الكتاب، فهل أنت مستعد للقائه؟ يسوع استأمَنَكَ على عطيةٍ وبركة في حياتك، وهو عائد سريعا في وقت لا تَظنُّه، فهل أنت مُستعدٌ لحسابِ الوكالة هذه؟ هل أنت مستعد أنْ تَرفعَ رأسك وتقول له: يا رب، أعطيتني كذا، أفرحت قلبي وباركتني، وأنا خدمتُكَ وكَسِبْتُ لك كل هذا!!

أم أنك تخشى عودته، لأنك صَرَفْتَ حياتك وعطاياه لك، بما لا يمجده؟!!

 

حلب 25 حزيران 2010