سأحمل سلاحاً

 

هل هو إرتياب مَرَضي، أم إِغْراق في الخوف لا أعرف، لكنّه ليس مُـجرد فَذْلكة أو موضة أَجْري فيها مَـجْرى الآخرين في مواجهة الواقع السوري الغريب.

فَقَضِيّتي تبدأُ ببساطة هكذا: كيف لي أنْ أتأكد أنَّ هذا الماشي في الشارع بِـجِواري لن يكون الإرهابي الذي سيُكبِّرُ وهو يُشْهِرُ سكيناً بِشَكل فجائي ويَطْعنني بها لأنـّي مسيحي أعبُرُ الطريق؟

كيف لي أنْ أَعْرفَ أنّ هؤلاء الجالسين على الرصيف أمام دكاكينهم ليسوا خَليّة نائمة لداعش أو سواها مِن الحركات الإسلامية المتطرفة التي تَقتلُ وتُنكّل بالمسيحيين؟

 

أَلَـمْ يَكونوا أُناسا "عاديين" مِنْ بضعة أشهر، يَعملون، يَشترون ويَبيعون، يَتزوجون، يَتَشاجرون مع الجيران، يُلقون النكات ... وسواها مِن مَنَاحي الحياة الطبيعية؟ نعم، هم كانوا كذلك، فَلَيس كلّ الـمُـقاتلين أجانب، بعضُهم وربما كثيرون منهم، كان مِن هذه المدينة، يَسيرون في هذه الشوارع، يَعملون أو يَـملكون بعض المحال فيها، يَستقبلوننا كزبائن مُبتسمين: أهلا جار، تفضل خاي، تفضلي اختي، ادخلي يا ست أمان الله... وهكذا كُنّا نَدخلُ نَشتري ونخرج، تذهبُ نساؤنا يَذهبُ أولادنا كباراً كانوا أمْ صغاراً، ولم يَكن بالبال ما يُعكّر صَفْو هذه الصورة. نعم كانوا دائماً مسلمين، ولكنّ الحال كانتْ دائماً هكذا، والأمر لا يَـخلو مِن مُـجرم هنا أو قليل وجدان هناك، لكن هذا الحال لم يكن أكثر مِن حالة شاذة غير كاملة الانتشار.

 

فماذا حصل؟

بكلّ بساطة تعلَّموا بعض النصوص الدينية، التي حوَّلتهم إلى "شرطة" الله على الأرض، وتحوَّل المسلمون الذين لا يوالونهم إلى مُتخاذلين ومارقين عن الإيمان، وباتَ المسيحيون كُفّارا يُطبق عليهم حدود قديمة كانت نائمة لوقت طويل. واليوم، مشكلتي مع مَنْ تبقّى مِن أولئك الذين لم يَلتحِقوا بالميليشيات الدينية المسلّحة، فالسؤال سيبقى قائما: متى سَيَتحوّل هذا أو ذالك إلى "شرطي" إلهي؟

 

ولعل مَن يُبرّر: أليستْ مُشكلتُك كمشكلة المسلم الذي لم يُواليهم؟ والجواب بكلّ بساطة: لا، طبعاً لا! فذلك المسلم عند الضغط، يمكنه أنْ يُطلِقَ الشهادتين، يُصلّي على طريقتهم بِرَفْع سبّابة أو بِعَدم رَفْعِها، بِوَضع حَجَر أو بلا حَجَر، يَستطيعُ أنْ يُـخرجَ مِن خِزانتِهِ "دشداشة" ويقصّ مِنها شِبْرين، لِيُصبح طولها إلى منتصف بطّة القدم، ويطلق لِـحيته ولا مزيد، فقد امْتَلَك كلّ المقومات اللازمة.

أمّا أنا فماذا أفعل؟ وكيف أقاوم؟

 

سأَحملُ سلاحاً!

نعم سأحملُ سلاحاً، عَلّه يُهدِّءَ رَوْعي ويَجعلني أكثر استعداداً للدفاع عن النفس، في لحظة يتحوّل أيُّ مَارقٍ إلى دَيّنٍ يُريد أنْ يُطبق بَنداً مِن شَرْعِه عليّ، بالرغم مِنْ جَهْلِه بما تبقّى مِن مئات البنود مِن ذلك الشرع القديم!

 

سأَحملُ سلاحاً!

لأنّي أشعرُ بِنَظرات كلّ أولئك الرجال الجالسين على الرصيف يَأكلونَ بِعُيونهم الصبيّة التي تَسير بقربي، وكأني أشعرُ بما يُناجون به أنفسَهم، عن جَمال هذه "السافرة"، عن أحقيّتِه بها كَغَنِيمةِ حَرب، عن أهمية قَتْل الذَّكَر الذي بِرِفْقَتها لِتُصْبِح له بلا منازع...

 

سأَحملُ سلاحاً!

لأنّي أَتخيّل أنّني سأضّطَر للدفاع عن بيتي ودكاني، لأنّ أَحَدَ الجيران سيَسْتيقظُ لِيَجِدَ نفسَه مُستعداً للتعاون مع "شرطة" الله، ليُرْشدهم إلى بيوتِ النصارى، التي هي حقّ طبيعي للمسلمين والمجاهدين وَوَلـيّ الأمر.

 

سأَحملُ سلاحاً!

لأنّ الجميع باتَ يَملِكُ قِطعة وقطعتين وثلاث! وأنا مازلتُ أتوقّع أنّ شرطياً "عادياً" سيأتي لحمايتي مِن "شرطة" الله.

حلب 27 تموز 2014