الميلاد بعيون أنبيائه

 

تخيل معي لو أن الله يعطي بعض الأنبياء الذين تنبأوا بولادة المخلص، فرصة أن يطلعوا على ما يجري على الأرض، ويعاينوا أحداث ولادة الملخص، ليروا تطبيق بعض نبوآتهم على ذلك الحدث الفريد. تُرى ماذا ستكون انطباعاتهم وردات أفعالهم؟

تخيل وصول إشعيا إلى تلك الشاشة السماوية الكبيرة، وأحدهم يُذكّره بنبوته التي نطق بها قبل بضعة مئات من السنين قبل ظهور المخلص، عندما قال "وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ"، يقف هناك ويشاهد العذراء مريم والطفل يسوع، وهو يقول:

يا إلهي! هل هذا معقول؟ أنا كنت متحمسا وأشجع الشعب على تحمل الحصار لأن الله سيتدخل في وقته وينقذهم! نعم، أذكر أنني شعرت أن بعض الكلام غير مترابط ولا علاقة له بالحادثة، شعرت أنني محصور بحضور إلهي قوي، وأن كلاما مفهوما وآخر غير مفهوم كان يخرج مني، لكنني كنت متأكدا من حضور الرب بشكل عجيب في ذلك اليوم! هذا يشبه المستحيل، أنا كنت أتكلم على أمر، والرب كان يستخدمني للمستقبل بشكل عجيب. يا ليتني أعيش هذا الوقت وأعاين ذلك المولود العجيب "عمانوئيل".

وإلى جانبه يقف ميخا الذي ذكَّروه بنوته القديمة "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ". وأحدهم يقول له: انظر ماذا يجري هذه الأيام في بيت لحم يا ميخا، انظر مَن يولد هناك. فما تمالك نفسه مِن القول مندهشا:

بيت لحم! واو!! الآن فهمت لماذا اهتم داود بهذه المدينة، ولماذا كانت مركز اهتمام الأنبياء لوقت طويل! في أيامي كانت لا قيمة لها، وفي الحرب والحصار، كانت صغيرة ضعيفة، ولم يكن أحد يتوقع أن يخرج منها من يدافع عن الشعب. أذكر كيف وقفت على مشارف المدينة، اريد أن أوبخ الشعب على جُبنهم، لكن صوتا قويا في داخلي كان يصرخ: سيخرج بطل من هنا، سيخرج بطل من هنا، وعندما نطقت بـ "مخارجه من ايام الأزل"، لم أفهم المقصود، ولم يأتِ على بالي أن أدوناي نفسه يتنازل هكذا كما أراه الآن، هذا مستحيل حقا!

ثم تخيل أنهم نادوا هوشع ليسمع تعليمات الملاك ليوسف بخصوص الهروب إلى مصر، لإنقاذ المخلص المولود حديثا. لن تراه إلا وكأن لسانه قد لُجِم. كان فمه مفتوحا والدهشة تملأ كل وجهه وأحاسيسه، وراح يتمتم:

الآن فهمت ما قلتُه قبل كم مئة سنة: "لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي"، كنت محتارا في حينه، فقد كان صوت الرب في داخلي قويا وهو يأمرني: تنبأ بهذا، وأنا كنت أقول في نفسي: لم يكن إسرائيل غلاما عندما كان في مصر، ولم يكن اسمه إسرائيل عندما كان غلاما! كيف أقول هذا؟ هل يريد الرب أن يصف شعبه بـ "غلام" توددا أم أنه يقصد شخصا بعينه؟ لكن بالتأكيد لم يخطر ببالي أنني أشارك التمهيد لولادة المخلص الذي أخذ الوعد به هابيل وكلنا كنا ننتظره ونتوقعه.

مَرَّ أمام تلك الشاشة السماوية رجال ونساء كثيرون وهم مندهشون من المشهد ومِن دَور بعضهم في التحضير النبوي لحدث التجسد العظيم، وقبل إغلاق المشهد وعودة كلٍ إلى مكانه، ارتفع صوت إرميا متسائلا: مَن كل أولئك الأطفال الذي يدخلون السماء بهذا العدد الكبير! فأجابه ملاك: هل تذكر نبوءتك عن بكاء راحيل على أولادها  المفقودين؟

فأجاب: طبعا ما أزال أذكر! هل تقصد أن كل أولئك قتلوا فتحققت بهم النبوة وكانوا فداء للمخلص؟ يا إلهي، هنيئا لهم على هذا الامتياز الرائع! قضيت عمري وأنا أتنبأ، أفهم بعض ما أتنبأ به، واسأل الرب على البعض الآخر وهو يقول لي ستفهم لاحقا. لكنني أذكر أيضا عندما قال لي قل هذا: "امنعي صوتك عن البكاء، لأنهم يرجعون"! وكنت اقول للرب من يذهب إلى الموت ويرجع؟ أما الآن فقد فهمت. طبعا يرجعون، وينتظرون المخلص ليدخلوا معه إلى بيت الآب!

أُغلِقَت تلك الشاشة السماوية، وعاد سكان السماء الذين أُعْطوا فرصة المشاهدة كل إلى مكانه. لكن باب التخيل فُتح لك الآن: هل كنت تتخيل أن ابن الله القدوس خالق الكل، يتنازل ليصير إنسانا مثلنا، مِن أجلك أنت؟

لا تتحدث على الميلاد كأنه حدث جرى من أجل فلان أو جماعة ما من الناس، ولا كأنه عمل سماوي من أجل شيء لا نفهمه، إنه من أجلي ومن أجلك. فما رأيك أن تشارك بحدث الميلاد فعليا وشخصيا، وتنقل الخبر لآخرين لا يعرفونه؟

 

 

الميلاد 2018