عين عرب عبدو

عرفتُ عين العرب يوم عرفتُ عبدو. شاب كردي طويل أسمر يحمل في قلبه قضايا شعبه، هموم عين عربه، طموحات شباب بني جلدته، حاجات عائلته وأحلام مستقبل لم يكن يبدو واعداً، لكنّ محبته للمسيح كانت تهدئ موج داخله وتبدّل ألوان غده في عينيه.

ثم عرفتُ عين العرب يوم زرتُها مرة ومرتين ومرات أُخَر، فأحببتُ شبابها وأحببتُ عبدو أكثر، وتفاعلتُ مع تشعّبات أهوائهم السياسية منها والفكرية وأيضاً الاجتماعية، وأحببتُ عبدو أكثر، إذ عرفتُ من أين خرج ولمن ينتمي.

اليوم عبدو بعيد، وأنا بعيد في اتجاه آخر، لكنّ القلب والعين على تلك العين التي تعمل بها السكين لتقلعها، تنزف ولا مُعين، تصرخ ولا مُغيث، فالمجرمون مِن حولها كثيرون، وأضاحيها مِن زهور الورد وأحلام الغد كثيرة لا تنتهي

اليوم عبدو بعيد وأنا بعيد، نراقب نزاع ذلك الشعب الوادع اللطيف مع وحوش لم يُشبِعها كلّ اللحم النيء الذي أكلتْه، ولا ارتوت من كلّ الدم الذي شربته.

كلانا يبكي، واحد في الشرق وواحد في الغرب، والعين في الوسط يتصاعد فيها صوت بكاء أطفالها من الجوع والخوف من الصخب العنيف، وأمهاتها تبكي شبابها وشاباتها الذين أرسلوهن للموت، والمقاتلون الجدد يملأ صراخهم شوارع المدينة المهدمة: هيا لنموت أو نموت

اليوم وأنا أتابع التفاصيل اليومية البشعة لقتل عين العرب وتقطيع أوصالها والتمثيل بها، أذكر كل "كوبانيّ" زارني في المكتب، ناقشني وجادلني، أذكر تلك الشوارع، والبيوت التي دخلتُها وشربتُ الشاي في بعضها، وتناولتُ الغداء في بعضها، وبعضها الآخر كان ما يزال ينتظر مني زيارة.

اليوم، ليس لدي سوى أن أقول للكوبانيين: اعذروني، ليس لدي ما أقدم لكم سوى دموعي وقلبا مكسورا عليكم، وعلى عبدو الذي يراقب البيوت التي تتهدم الواحد تلو الآخر، ويسجل أسماء الزهور التي تتساقط قبل تهدم كل بيت.

في زمن الموت 10 تشرين الاول 2014