داء تَكَلُّم الروح

واحد من الأمراض العُضال الذي يُصيب الكنيسة بين حين وآخر، هو داء تَكَلُّم الروح. ولا أقصد هنا أن المشكلة في أن الروح القدس يَتكلَّم، ويُكلِّم أولاد الله، بل في أنَّ الأشخاص يَعتقدون أنَّ الروح القدس يُكلِّمهم وهو لا يُكلِّمهم!

كيف يَحدُث هذا؟

تبدأُ طَفرةُ هذا المرض عندما تَدْفَعُ بعضُ الظروف شخصاً ما إلى موقف أو قول أو عمل يُمكن أنْ نُسمِّيه "خدمة".

أو تبدأُ طفرتُهُ عندما يَطمحُ شخص ما أنْ يُنجِزَ عملاً مُعيناً يَعتقدُ أنَّ "الآن" أفضل وقت لهذا العمل، أو أنَّه "شخصياً" الأنسب لهذا المنصب في هذا الوقت بالذات.

تحتاجُ طَفْرَةُ هذا المرض إلى (شمّاعة – علاّقة)، وهذه العلاَّقة ببساطة ستكون - الروح القدس!

وهذه العلاّقة قوية لتحملَ أكثرَ ممّا نَتخّيل، فإذا أرادَ أو تَكلَّم الروحُ القدس وأَعلنَ إرادة الله، فمَنْ سيَكون الناس ليَعتَرِضوا أو يُعدِّلوا أو يُقدِّموا مداخلة ما بأيِّ شكلٍ مِنَ الأشكال وبأيِّ مستوى مِن مُستويات التدخل؟

بالطبع هناك أمراض عُضال يُمكن التّعامل معها لوقت طويل، وتحقيق حلول لها على مدى سنوات، لكنْ هناك أمراض مُخيفة الشكل والنتائج، يَعتمدُ الأمرُ على المنطقة التي يَضربُها المرض. وهذا ما يَحدُثُ في مَرض تَكَلُّم الروح القدس. فهناك بعض الحالات لهذا المرض، تتحوّل إلى حالاتٍ يَنْطبقُ عليها فقط قولُنا "المضحك المبكي"!

تخيَّل معي مثلاً، كنيسة صغيرة بِعدَدِ شعبِها وبحجم مكانِها ومقدرتها المادية، تُناضِل للحياة منذ سنين، وبالكاد تَتَنفَّس، يَخرج منها أو يأتيها "مُفَذْلَك" ما كَلَّمَه الروح واكتشفَ أنَّ الربَّ قد دعاه لخدمة هذه الكنيسة، لأنَّ الخادم الحالي لا يُصغي لصوت الروح!

تخيَّل معي مثلاً، قرية فيها كنيسة، شعب الكنيسة بل القرية نفسها بالكاد هم بضعة مئات، يأتيها "خادم" قد دعاه الروح للخدمة في تلك القرية – بعد أنْ كلَّمَه الروح - طبعاً ليس مع الكنيسة القائمة بل خدمة جديدة وَضَعها الرب "على قلبِه" في تلك القرية!

تخيَّل معي مثلاً، كنيسة أخيراً حَصَلَتْ على مكانٍ واسع رَحبٍ، وارتاحتْ مالياً قليلاً، وزَادَ شعبُها عمّا حَصَلَتْ عليه منذ سنين، يَشقُّها خُدامُها، لأنَّ الروح كَلَّم أحدهم بضرورة تَغييرٍ معين يَتوافَقُ مع ما قاله الروح القدس!

وسواها وسواها مِنَ الحالات التي تَدْفَعُكَ لحظةَ سماعِكَ لبعضِ تفاصيلِها لِتَضَعَ يدَكَ على فمِكَ بينما يبقى مفتوحاً مِنَ الدهشة، أو تَحتار بين أنْ تَضحكَ أو تبكي. تضحكُ على تفاصيلِ الأحداث التي يَنقلونَها لك، لأنَّها صِبيانية وبعضها رعناء، بينما تُريدُ أنْ تَبكي على الكنيسة والشعب والخدّام، تَبكي على الروح القدس الذي اتُّهِم أنَّه السبب المُحرِّك لكلّ هذه الأزمات، مِسكينٌ أنتَ يا روح الله!!

سامحنا يا أيها الروح القدس، لأنَّ بعضَنا يَستخدمُ اسمَكَ وحضورَكَ وعمَلَكَ بطريقةٍ جسدية أنانية، لا تَخِدمُ جَسَدَ المسيح – الكنيسة – التي خَصَّصتَ نفسَكَ لرعايتِها في زَمَنِ غُربتها في هذا العالم.

أيها الحضرات الكرام،

ليستِ العِبرة في الكنيسة في شخصِكَ وامكانياتِكَ الشخصية، بل في تَكلُّم الروح القدس:

لِيُقْنِعَ أُناساً غير مُعترفين ولا مُقرِّين بخطاياهم ليَضُمَّهم إلى سلطان ملكوت الله

لِيَبني أولاد الله ويُؤهِّلَهم كحجارةٍ حيَّةٍ في بناء الكنيسة – جسد المسيح

لِيَجْعَلَ الكنيسة نموذجاً فريداً فَذًّا أمام العالم، كلِّ العالم .. كل العالم

وهذا يَعني ببساطة، أنْ يَخجَلَ العالمُ مِنْ نفسِهِ عندما يَرى حياة الكنيسة، أيْ المؤمنين، أيْ أنا وأنت! أنْ يَخجَلَ عندما يَرى أعمالنا ونِتَاجها في حياتِنا وحياة الكنيسة، وتأثير هذه النتائج على العالم وحياته.

ليستِ العِبرةُ في شخصِكَ وما تَعتقد أنَّ الروح القدس قد كلَّمَكَ به، فأنتَ لستَ مِحور الخدمة، ولا أنا كذلك!

حلب 24 تموز 2010