إلى اللقاء يا فايز !

 

في آخر بحث تاريخي لي كتبتُ في موقفنا من التاريخ:

 

على كل حال، التاريخ في بلداننا غير محبوب ولا مرغوب به:

إذا دُرِّس، تعاون المدرِّس والمنهج على تكريه الطالب به.

وإذا طُمِسَتْ أجزاء منه، رُميت في أعماق الأرض السفلى، ولو أمكنَ لَوُضِعَتْ في الهاوية.

وإذا حاولت العامة تذكُّر بعضا منه، كان بائسا مؤلما دمويا!

فلماذا التاريخ؟

لعله السؤال "التاريخي" المشترك بين الناس، ولسبب سير بعض الطبقة المثقفة والدارسة في نفس الطريق الذي تسير فيه العامة، يتحول هذا السؤال البدائي إلى سؤالها، وفكرته فكرتها، وعليه فإنَّ الخسائرَ الناتجة عنه خسائر للجميع على حد سواء.

 

واليوم - طبعاً بعد مرور أيامٍ - وَصَلَني نبأ انتقال الأستاذ فايز عكاري إلى المجد!

ولأنّنا خُبراء في الممارسات التاريخية الموصوفة أعلاه، حتى في الكنائس، وربّما خاصة في الكنائس، فقد عَبَرَ رَحيلُ الرجل بصمتٍ شديد، وجنازة خجولة، وذكرى رمادية باهتة لا تلفت الانتباه.

أتى وقت بعضُنا أحبَّه وتبنَّى رأيه،

ثم أتى وقت معظمُنا رَفَضَه، وكفَّر خطه،

ولأننا نعرف كيف نطمس التاريخ ونحرقه بنيران جهنم، ماتت ذكراه وهو حيّ، وسيكون بعدئذ – من الطبيعي – أنْ تموت ذكراه بعد موته.

سيقول لي البعض إنَّه هو مَن اعتكف. ولن أُجيبَ سوى بنعم. نعم لقد اعتكف وأنسانا نفسه، ونحن كنا نرغبُ – في كل حال - أن ننساه، وهي الدورة الطبيعية لموقفنا من التاريخ دائما – مع كل الأسف!

هذه المناسبة تدفعني أنْ أتابع آمالي أنْ نتصالح وتاريخ كنيستنا المعمدانية في سوريا، والإنجيلية، بل وكل التاريخ، لكن هل نستطيع؟

نستطيع بطريق واحد، هو طريق شفاء داخلي يصنعه الرب في دواخلنا، ولجروح أهملناها فينا، لكنها ليست ميتة!

 

حلب 26 أيار 2009