لما كنتُ هناك!

لما كنتُ هناك، كان كل شيء أسهل مما أواجه وأنا هنا!

لما كنتُ هناك، كنتُ ككل المنتظرين الموت الطائر بأشكال وألوان مختلفة، محمولا على اجنحة متنوعة، أعرف أين نزل، ومن اقتنص، وأتعلم طرقا جديدة لتجنبه – قَدر المستطاع.

لما كنتُ هناك، كنتُ ككل الذين نسوا أن الليل تُضيئه المصابيح الكهربائية، التي وصلتْ المدينة قبل حوالي مئة سنة. ككل الذين هجروا أجهزة البيت الكهربائية، وتركوها للغبار بلا مبالاة مؤلمة

لما كنتُ هناك، كنتُ ككل الذين باتَ تجميع الزجاجات البلاستيكية هواية لديهم، لتجميع الماء الملوث بأي شيء، لاستخدامه بأي شيء ولكل غرض!

لما كنتُ هناك، كنتُ أعرف الحِصار وقلة الطعام، وأعرف يوم الوصول إلى انعدام الطعام، كنتُ أشارك الباقين قرقعة أمعائهم الخاوية.

لما كنتُ هناك، كنتُ أعرف الذي يحتاجون لأدوية ولا يجدونها، وأعرف متى ينتهي دواء بعضهم، ومتى يحين موعد تحاليل لا غنى عنها ولا مال لاجرائها!

لما كنتُ هناك، ما كنتُ استمع ولا أعرف ولا آبه لبعض السوريين الذين بلا ضمير ولا أخلاق، يلهثون خلف أموال وأسلحة السعودية الجربانة وتركيا القذرة، وكل نظام حقير في العالم.

لما كنتُ هناك، كنتُ أعرف أن بعض الأمور والأحوال كانت فاسدة، لكنني اختبرت ايضا لما كنت هناك، كيف حوّلوا كل شيء إلى نتانة، قذارة وسرطان بفضل محاكاة تجارب السعودية في افغانستان والصومال.

نعم لما كنتُ هناك، كان كل شيء صعب وعسير وأقرب للمستحيل، لكنني كنتُ هناك! كنتُ هناك على الأقل كنتُ أعرف وأشعر وأشارك.

أما الآن فما أصعب الهروب مما أعرف لما كنتُ هناك! ما أصعب الامتناع عن متابعة أخبار الحصار والدمار والجوع والخوف!

ما أصعب قبول كذبهم على الهاتف وكل وسيلة اتصال "كل شي منيح ما تقلقوا"! ثم أذهب إلى عملي في الصباح، وفراشي في المساء وأنا مطمئن غير قلقان لأن "كل شي منيح"!

 

كالغري 9 تموز 2016