المسيحي والسلاح

 

هل يحمل المسيحي السلاح؟

سؤال عادة ما كان حاضرا لدى المسيحيين عامة، وأولئك الذين يتبحرون في الكتاب المقدس ويتعمقون في الحياة المسيحية، إضافة إلى كل مسيحي يحين موعد التحاقه بالخدمة العسكرية الالزامية في سوريا.

لكنه لم يكن يحمل صفة الاستعجال أو الضرورة، خاصة أن المسيحيين في سوريا لم يختبروا حروبا كثيرة وطويلة الأمد كما حصل مع العراقيين أو اللبنانيين مثلا. لهذا كان أي جواب يفي بالغرض! أما اليوم فالأمر مختلف جذريا، فالمسيحيون في سوريا يواجهون ما يشبه التصفية المكانية أو التغيبر الديموغرفي الجذري، ولا يبدو تغييرا على رقعة الوطن السوري، بمقدار ما يبدو أشبه بالتهجير الجماعي.

خلال المائة سنة الماضية، مسيحيون كثيرون ربما يفوق عددهم اليوم نصف عدد كل السوريين المقيمين في سوريا، تركوا البلاد على شكل هجرات صغيرة مرات وكبيرة مرات أخرى، بحثا عن حال اقتصادي أفضل، وفي مرات أقل هربا من ضغط سياسي بين حين وآخر، ومثلها هربا من مجتمع إسلامي لا يحاول ولو قليلا فهم حالة مواطن الدرجة الثانية المدعو "مسيحي".

أما اليوم، فالجماعات الإسلامية المسلحة التي تحارب الدولة والنظام و"الحالة" السورية ككل - والتي ما يزال البعض يتغنى بـ "ثوريتها" – مصرة على الوصول إلى دولة وربما دويلات اللون الواحد، فلا مكان بالقرب أو مع هذه الجماعات المتطرفة للعلويين والدروز والشيعة واليزيديين وبالتالي للمسيحيين. والفرصة المعروضة عليهم بسيطة التفاصيل: إما الموت بشتى أصناف التشنيع، أو المغادرة بما عليهم من ثياب، مع بعض إهانات (في واحدة من الحالات، تم انزال نساء مسيحيات من باص سفر، وطلبوا من صِبْية مسلمين أن يبولوا عليهن!) واغتصاب وانتهاكات أخرى لا قيمة لها أمام شوي "الروؤس" على المنقل!

وهنا يعود السؤال ليقفز من جديد مُحْدِثا جلبة أكبر بكثير مما كان يفعل: هل يحمل المسيحي السلاح أم لا؟

وليعذرني قارئي على مقدمتي الطويلة، وعلى المعالجة المستفيضة الآتية، وتبريرها الوحيد بكل صراحة، هي محاولة الهروب من الجواب! فالسؤال ليس له سوى جوابين:

إما أن أقول: فليحملوا السلاح وينظموا ميليشيا. عندئذ ستقوم الدنيا ولا تقعد علي وعلى آرائي، وربما أعضاء كنيستي سيقفون ضدي، وربما تساندهم طائفتي، وربما بعض مؤسسات الدولة، بالاضافة إلى "الثوار" اللطفاء الذين يترصدون القسوس بفارغ الصبر!

أو أقول: ليس للمسيحي أن يحمل السلاح. عندئذ سيتابع من كان ينعتنا بـ "الجبن" استهزاءه بنا، وسيصرخ في وجهي كل مُهجَّر وكل مُغتَصَب وكل الذين خسروا بيوتهم وبناتهم وأبناءهم لأنهم مسيحيون قائلين: أخبرني عن شعورك عندما سيقتلون ابنك أو يهدمون بيتك!

لنحاول النظر للموضوع من زاوية أخرى:

ماذا سيفعل المسيحي إذا وَجَدَ أحدهم يخلع باب بيته ليسرقه؟ أو وجد فجأة سارقا يقف في غرفته؟ هل سيقول له: الله يسامحك، معليش خود إللي بدك إياه واذهب بسلام! هل كنت أنت لتفعل هذا؟

ماذا سيفعل المسيحي إذا وجد أحدهم قد اقتحم سور أرضه، وشرع ببناء غرفة على تلك الأرض؟ هل سيقول له: الله يسامحك، معليش خذ جزء من الأرض واترك لي الجزء الباقي! هل كنت أنت لتفعل هذا؟

أنت تعتقد أن مثالا كهذا سخيف وممجوج أليس كذلك؟ ولكن أليس الواقع الآن مشابه لهذا المثال بل يفوقه غرابة واستغلالا؟

اليوم بعض "الأجانب" يحتلون أجزءا من سوريا، ويستولون بمساندة بعض السوريين "المتدينين" على بيوت وأملاك المسيحيين، وهم بالأساس قد حللوا لأنفسهم كل ما يملك "الذكور" المسيحيون من نساء وأطفال وأموال وأملاك، ويسعون لطمس تاريخ يسبقهم ويفوقهم جمالا وعظمة، فماذا تفعل؟

لنرى رأي بعض الأجانب بهذا الخصوص، وأقرب مثال إلينا هو احتلال الأميركان للعراق، في هذا السياق، وخاصة وقت بداية الاجتياح، رأينا أكثر من مؤسسة مسيحية وبكل غرور ووقاحة – على الأقل من وجهة نظر شرق أوسطية – دعمت علنا الاحتلال، يعني الحرب! على أساس أن عراق صدام كان يهدد الأمن القومي الأميركي، وكرمى الأمن القومي الأميركي تشرد بضعة مئات ألوف من العراقيين المسيحيين ما عدا الذين قتلوا والقسوس الذين قطعت أوصالهم وأحرقت جثثهم والكنائس التي دمرت!

نعم، ليسوا بالضرورة مقياسا لنا، ولكنه أمر ملفت للانتباه. ماذا تفعل إذا كان أمنك الشخصي وكينونتك كشخص ودين وتاريخ معرض للاندثار بطرق بدائية بشعة يصفق لها بعض الأشرار من السوريين والأجانب؟

نعم قارئي العزيز أنت تنتظر جوابا، وأنا أصل إلى نهاية ما أكتب بلا جواب!

إنني في الواقع أخشى "دينيا" إن جاز التعبر، من تصريح قصير وبسيط: "شكلوا ميليشا مسيحية"، إضافة إلى خشيتي على هذا الكيان الصغير والمسالم والأعزل من أن يُسحق مِن قِبَل جَراد لاحِم يأكل الأخضر واليابس والبشر.

لكنني في نفس الوقت أخشى من تفريغ قسري للمسيحيين من أرضهم قبل أن تكون أرض أحد. المسيحيون الذين حافظوا على حضارة وثقافة ولباقة عجز عنها الآخرون. المسيحيون الذين بأموالهم وعِلْمِهم واخلاصهم كانوا عاملا رئيسا في إيصال المنطقة إلى ما هي عليه.

فهل يحمل المسيحيون السوريون السلاح؟

من أرض التشرد 29 أيلول 2013