الخروج

أخيرا خرجت من حلب! بعد سنة كاملة من البقاء هناك، ومتابعة كل الأحداث الأليمة والمرة.
استغرقت رحلة الـ ٢٥٠ كيلو متر أحد عشر ساعة، مغلفة بكل مشاعر وأسباب الحزن والخوف والترقب والقلق، مع أسئلة كثيرة وكبيرة لم تغادر راسي كل تلك الساعات الطويلة.

في حلب، حيث محطة الانطلاق، كانت الابتسامات الباهتة والعيون الحائرة ممتلكة كل الوجوه، تلك المسافرة وتلك الباقية في حلب. وفي لحظات الانطلاق، انكب الناس على بعضهم يُقبل الواحد الآخر قُبل الخوف من عدم اللقاء ثانية، والكل يَعي في قلبه انه إنما يركب بعد لحظات طريق الموت حتما، بالرغم أنهم كلهم يعرفون بل قرروا السفر لان الطريق مملوك من الجيش النظامي.

في الطريق كان الصمت المطبق سيد الموقف لأكثر من ساعتين، بمعنى آخر اول ثلاثين كيلو متر! وما أن وصلنا خناصر، التي لم يكن يعرفها اي مسافر بين حلب وحمص، حتى بدأ بعض الركاب يتكلمون همسا أو يحيي بعضهم البعض الاخر، حتى أشرفنا على السلمية، التي كانت للمسافرين فيما مضى مجرد لوحة على الطريق تشير إلى موقعها الجغرافي، حتى انقلب حال الباص، وانطلق الجميع بالأحاديث والنكت والتعليقات وسرد البطولات ... وفي السلمية توقف الباص عند استراحة "جربانة" وإذ باصات وسيارات كثيرة توقفت أيضاً والجميع انكب على الأكل والشرب والضحك قهقهة!

أما المشاهد من النافذة فكانت حزينة مؤلمة مزعجة حتى الغضب، وفي كل موقع مبني إشارة واضحة على مرور جراد السعودية من هناك، البيوت مهدمة، المعامل مخربة، محترقة وجدرانها مكسرة، المدارس مخربة، كابلات الكهرباء مقطعة، وأعمدة التوتر العالي مكسرة، وحافة الطريق مسكونة بين مكان وآخر بسيارات، شاحنات، باصات محروقة محطمة، واكثر ما تُسائل نفسَك عمّا حصل للمسافرين في تلك الباصات! وتعي عمليا مصير باصك إذا ما باغته هجوم مسلح!

علامتان كانتا تشيران للركاب أن الطريق الزراعي الذي يكسر ظهورهم ما يزال آمنا ويستحق التعب، الأولى العلم الذي كان يطالعنا عند كل قرية ومفترق ونقطة تفتيش، والثانية السيارات الآتية من الجهة المقابلة تتراقص على حفر الطريق، لانها تقول: الطريق التي نقصدها ما تزال آمنة، ولنا أمل كبير بالوصول!

وبالفعل وصلت.

وادي النصارى ، السبت ٣ اب ٢٠١٣