قصة الميلاد بعيون مراقب

إزدحام بيت لحم:

هذه أول مرة في حياتي أرى فيها قريتنا بهذا الإزدحام والفوضى! غرباء في كل مكان، وبيوت كثيرة تحوَّلتْ إلى فنادق ومضافات!

هذا آتٍ من الشمال يقول إن جدَّه كان من بيت لحم، وذاك آتٍ من الجنوب يقول إن أباه ترك القرية منذ ثلاثين عاما، وتلك العائلة من صَوبْ البحر وغيرها وغيرها الكثير. وأغرب ما في الأمر تلك العائلات والأفراد الذين ليس لهم أقرباء في القرية.

إحصاء النفوس، وقت للربح لكثيرين في قريتنا، هل تعتقدون أن إحصاء السكان سيصبح سنويا؟

في بيتنا مولود غريب!

هذه أحلى المناسبات، فأعمامي الثلاثة، ذلك الذي يسكن في غزة، والاثنان اللذان يسكنان في قيصرية فيلبس كلهم أتوا مع أولادهم، بل إن عمي الكبير أحضر معه حفيدين أيضا!

لكن أبي لم يكتف بكل هؤلاء، بل أشفق على ذلك الرجل وزوجته الحامل، فأعطاهما زاوية في زريبة الغنم، فاجتهد الرجل جدا في تنظيف المكان وترتيبه كأنه كان يعرف أن زوجته ستلد اليوم! وأنا كنت قلقا عليها مِن أنْ يفك التيس الأسود رباطه وينطحها في بطنها!

لكن بيتنا اليوم استقبل ولدا جديدا، لقد وَلَدَتْ تلك المرأة الغريبة في الزريبة، ونزلت أمي ونساء عمي وبناتهم جميعا، أما نحن فتركونا خارجا، يقطرون علينا أخبار ذلك الطفل الجديد قطرة قطرة.

المشاجرة مع الرعاة:

وقعت اليوم مشاجرة كبيرة بين جدي ورعاة أغنامه، لأنهم تركوا الأغنام مع راعيين مراهقين، وأتوا إلى القرية بحجّة أن الله طلب منهم زيارة الطفل الذي ولد منذ ثلاثة أيام في زريبة أبو زكريا الزَّرْعُون، يعني بيتنا.

وقد هدَّدهم جدي أنه سيُغَرِّمُهم غنمتين حلاّبَتين عن كل غنمة تُفقد مهما كانت صغيرة، وهدَّدهم آخرون مِن جيراننا التهديد نفسه.

أما الغريب فكان أن أولئك الرعاة - حتى صفّون أبو زَلْعة، الحكيم بين الرعاة - أصروا أن الله أرسل ملاكا، بل ملائكة كثيرين، كلموهم وغنوا لهم وطلبوا إليهم أن يزوروا طفل الزريبة، لأنه "مخلص إسرائيل". و أعتقد أنني لن أنسى كيف سَخِر الجميع منهم ومِن المخلص الجديد صديق الأغنام!

القافلة الغريبة:

لقد أحضر الإحصاء إلى قريتنا عجائب وغرائب من كل نوع ومن كل مكان. مثل عائلة الأقزام، الساحر مَنُّوش، البهلوان أبو مَطّاط، والرَّبَّاي أنْحَائيل. لكن أغرب الجميع كانت تلك القافلة التي أتت من الشرق، ليس من دمشق بل من مشرق الشمس، الذين قضوا ثلاثة أشهر بالسفر ليزوروا قريتنا، هل حقا يعرفون في مشرق الشمس بيت لحم؟!

والبعض ظن أنهم أخطأوا بين أورشليم وبيت لحم، والبعض الآخر ظن أنهم يريدون حَنَّان المختار، لكن أولئك الغرباء كانوا يريدون زيارة الغريب النازل في زريبتنا. عجيب، أليس الرجل وامرأته من الجليل، وأبوه من بيت لحم؟ فكيف يعرفون أولئك الغرباء من مشرق الشمس؟ بل الأغرب أن الرجل منذ أتى وهو يقول أنه نجار، فمن أين له أن يأتي أولئك الأغنياء ليقدموا هدايا لمولوده الجديد؟

بل إن المختار حنان قال إن قادة القافلة الذين قدموا الهدايا، سجدوا كأنهم يقابلون رئيسهم أو ملكهم. عجيبْ سجدوا لمولود الزريبة؟ إذاً ماذا سيفعلون عندما ستلد زوجة هيرودس؟

الاختفاء المفاجئ:

سأخبِرُكُم ما حدث اليوم فجرا، فلقد ظن أبي أنني نائم، لكنني كنت الوحيد الذي شعر بالحركة في أرض الدار والزريبة. نعم لقد كان الغريب الساكن في الزريبة مع زوجته وابنه يستعدون للرحيل. فلقد خرج أبي وعمي الكبير لمقابلته، وأخبرهم أنه مضطر للسفر قبل الفجر، ولم أفهم السبب الذي قاله لهم، لكنّ أبي أيقظ أمي لتجهز لهم زوّادة للطريق، وودّعوهم بالقُبَل والتحيات الحارة.

غريب جدا كان أمر هذه العائلة، فلقد وصلوا بيت لحم مُتأخرين، وسكنوا الزريبة كأنه بيت حقيقي، ثم قصة الملائكة ثم غرباء المشرق وهداياهم وسجودهم، ثم خروجهم قبل الفجر كأنهم هاربون! والواقع لولا هروبهم اليوم تحت جنح الظلام، لصدَّقتُ أنّ الطفل لابد وأن يكون من نسل واحد من أنبياء الله الكبار، بل لعله من نسل إيليا نفسه! على كل حال رحلوا، وستأخذ الأغنام راحتها في الزريبة ثانية.

من أجلي

 

بيت لحم كانت من أجلي، والزريبة كانت من أجلي، والملائكة والرعاة والمجوس كانت من أجلي، والناصرة كانت من أجلي، وثلاث سنين من الـجَوَلان في الأرض كانت من أجلي، والمحاكمة والصلب والقبر كانت كلُّها من أجلي، والقيامة كانت من أجلي، وابن الله كلُّه مِن أجلي، شكرا أيها الآب يا من لم تشفق على ابنك بل بذلته لأجلي، كيف لا تهبني معه كل شيء؟