زمن التوبة وأمور أخرى

من المدهش كمية الدعوات لـ "لتوبة" التي انتشرت بين المسيحيين مع موجة وباء كورونا.

وحتى لا تنفجر علي سيول التكفير، أبدأ بالقول بأنني حتما أؤمن أن الخلاص بالإيمان دون الأعمال، وأن التوبة مفتاح ذلك الخلاص، التوبة التي تعني الحكم على الخطية والتحول عنها بإتجاه آخر، وأؤمن أن الرب يسوع آت ثانية ليأخذ الكنيسة تماما كما هو موصوف في رسالتي كورنثوس وتسالونيكي.

نعود لموضوع التوبة، أفهم أن يخرج واعظ ليدعو الذين لم يقبلوا الخلاص إلى التوبة في زمن الموت، ولكن لماذا دعوة المسيحيين إلى مواسم توبة جماعية كالتي نشهدها من حولنا؟

هل حصل الوباء بسبب خطية المسيحيين؟ هل خطيتنا فتحت باب الموت على البشرية من حولنا، حتى نتوب عنها علّ الله يغلق أبواب الموت أمامنا؟

وأنا أتوقع أن البعض ربما يقتبس صور التوبة الجماعية التي حصلت في العهد القديم، كما حصل أيام يوشيا الملك مثلا. لكن هذا لا ينطبق علينا والضربة التي تميت الناس بالآلاف اليوم. تلك الحادثة كانت داخل شعب الله. شعب الله أخطأ ووقع عليه غضب الله، فتاب توبة جماعية، وهذا مطلوب منا حتما لصد الأوبئة الروحية التي تصيب كنائسنا.

لماذا استفاق الوعاظ والمتكلمون المسيحيون وقادتهم على "التوبة" ولم يستفيقوا على قضايا أخرى يجب أن يلعب فيها المسيحيون في العالم دورا رائدا في هذا الوقت بالذات؟

لماذا لا تشجعون المؤمنين على الوقوف في وجه التسلح البيولوجي والجرثومي، الذي تخزن حكومات أولئك المؤمنين، كميات مرعبة منه، كافية للقضاء على "الحياة" في أكثر من أرض مثل أرضنا؟ وكورونا نموذج صغير جدا مما هو موجود؟

لماذا ليست دعوة ضد المجاعات، التي كثير منها من صنع حكومات أولئك المؤمنين، أو كأقل تقدير تلك الحكومات قادرة بسهولة على إيقافها! أم أن المسيحيين شعروا "بالسخن" إذ وصل الموت إليهم فراحوا يهربون منه بالتوبة، ولم يرف جفن معظمهم لملايين الذين يقفون بالصف للموت جوعا؟

لماذا ليست دعوة للوقوف في وجه الحكومات المتوحشة، التي ما تزال منشغلة بتسليح نفسها، وتسليح الشعوب، وتغذية الحروب، والتغول بالعقوبات الاقتصادية، التي كلها مشاريع قتل ممنهجة تقضي على أعداد تفوق ما يحصد كورونا بكثير!

لماذا ليست دعوة ضد الشركات العملاقة التي تمتص دماء الفقراء حول العالم بتكنولوجيا رخيصة الصنع، لا تضعها بيد الناس إلا بعد استعبادهم، ليكدس أصحاب تلك الشركات أموالا تعادل ما يوجد بأيدي الناس كل الناس؟

لماذا ليست دعوة للمسيحيين لإصلاح أنظمتهم الكنسية التي يغرق بعضها ببيروقراطية مرعبة، وبعضها الآخر بالخطية والابتعاد عن كلمة الله. لماذا ليست دعوة للمسيحيين للاستفاقة لعمل مسيحي كنسي جديد يعرف كيف يجتذب العالم للمسيح، كما منهج مؤمنو القرنين الأولين عملا جذب العالم القديم للمسيح؟

أليست هذه كلها مواقف مسيحية؟ ألا يجب أن تكون جزءا من مشغولية المسيحيين التوابين؟ لماذا تدفعون المسيحيين للعيش على هامش أحداث الأرض، بتعريض عيونهم للون واحد في لوحة المسيحية الملونة، هو لون التوبة!

أرجو أولئك الذين يفتشون على نصوص في الكتاب المقدس تتضمن كلمة "توبة"، أن يفتشوا أيضا على نصوص تتضمن وصايا عن "أثمار تليق بالتوبة"، على مواقف الرب يسوع التي تلت أو رافقت أحاديثه على التوبة، حتى تكتمل صورة مسيحيتهم وتتجمل صورة توبتهم. لنُصلِّ من أجل حكمة قادرة على فهم ومعرفة متغيرات العالم، واستخدامها لمجد الرب وانتشار كلمته.

 

كالغري 4 نيسان 2020