ارحموا الترنيم

لا أعتقدُ أنّ عصراً كنسيًّا عايَشَ هبوطاً بالترنيم كالذي نُعايشه في سنواتنا الأخيرة هذه، إنْ في الموسيقى أو في الكلمات أو الأصوات! وكم تكون المأساة ثقيلة ومُتعبة عندما تَتَضافر العناصر الثلاثة في ترنيمة واحدة، تُصر كلّ المحطات التلفزيونية المسيحية على إسماعِكَ إيّاها ما دام الأثير مُتاحاً! ولكي تُحاصِرك مأساة هذه الترنيمة، فإنّها هي – دون غيرها – تصل بسرعة البرق إلى الكنيسة: كلمات وموسيقى وغناء وشرائح للعرض على الأجهزة الالكترونية على اختلاف أنواعها!

يا جماعة نرجوكم أنْ ترحمونا وترحموا الترنيم:

ارحمونا مِن لُغة عربية مُكسّرة مُهلهلة مُشوشة، أو لُغات عاميّة لا تُستخدم إلا في بعض القرى أو البلدات النائية في بلدانكم. أليس مُعيباً أنْ يكون لدينا ترنيمة جميلة النَّظم والمضمون، رشيقة اللغة يَستسيغُها الكبار ويَستسهلُها الصغار مثل ترنيمة "هَبْ مِصباحي زيتاً واستخدمني"، ثم يأتي "فلان" وأنا بالحقيقة لا أعرفُه، يُخَرِّب الترنيمة ويُكسّرها ويُشوّه جَمالها لتخرج معه "أنا عايز زيت في اللمبة"! أَلَمْ يَشعر هو والذين سَوّقوا هذا المسخ أنّهم سَرقوا حقوق الترنيمة الأصلية، واستخدموها بدون حق؟ أليس غريباً أنْ تأتينا ترنيمة لا تستطيع أنْ تُصنّفها بحسب الموضوع تحت أيّ عنوان، فكل سطر فيها وحتى كلّ جُملة تَتحدّث عن موضوع أو فكرة لا علاقة لها بما قبلها أو بعدها، يعني "مِن كلّ وادٍ عصا"!

عَرَفَ المؤمنون والكنيسة عبر كلّ العصور أنّ الترنيمة مادة للفرح والبهجة، ولكنّها أيضاً مادّة للتعليم وتذكير المؤمنين بمبادئ الإيمان، فأنتم لماذا تكتبون الترانيم؟ أعتقد أنّ الأخ ناصف صبحي هو مَن كَتَبَ ترنيمة الأطفال الجميلة "واحد تنين واحد تنين"، وهي وإنْ كانت لغتها عامية، لكنها جميلة وقريبة مِن الفصحى، وموضُوعها قيّم، ثم أتى أحدُهم، وأضاف عليها لَمْسة، خرّبت الترنيمة وأساءت إلى موضوعها، والاضافة كانت "احدش طنعش احدش طنعش احنا تلاميذ بابا يسوع"! بابا يسوع؟ مِن أين أتى بهذا اللقب أو الاستخدام؟ أيّ لاهوت هذا وأية كنيسة هذه التي تُطلِقُ على يسوع "بابا"؟ فإذا كان يسوع "بابا" فالآب ماذا يكون؟

ليس الآن، وليس رأيي أنا، بل في كلّ عَصر ومكان وُجِدَتْ فيه الكنيسة، نُظِمَتْ ترانيم تحمِل عمقاً تعليميًّا ولاهوتيًّا، يحتاجه المؤمنون في حياتهم اليومية كما في عبادتهم. لعلّ قائل يسأل: وهل كلّ مُؤلّف ترانيم يجب أنْ يكون لاهوتيا؟ طبعا لا، ولكن كلّ ناظم ترانيم يجب أنْ يكون مُلمًّا، وهدفه إرسال رسالة تعليمية وعقائدية، وببساطة إذا كنتَ لا تستطيع فلا تكتب!

ارحمونا مِن موسيقى أقلّ ما يمكن أنْ يُقال فيها أنّها ليست موسيقى. يا سادتي الموسيقيين، ألا ترون أنّ كثيراً مِن الترانيم التي تشوّهون حِسَّنا الموسيقي بها، تُشبه موسيقى أغاني "الهشك بشك" التي يُحاربنا بها أباطرة المحطات التلفزيونية الهابطة التي تملأ الفضاء؟ ألم تسأل نفسك يوماً عن الامكانيّات الموسيقية للشخص الذي أكّدَ لك أنّك موسيقي؟ وبغضِّ النظر عمّا قالوه لك، هل حقًّا تَجدُ نفسَكَ عازفاً مُقارنة بِبَضعِ ما تسمعُه مِن موسيقى حقيقية؟ هل دَرَستَ أو لديك إِلماماً عِلميًّا، أقصدُ مَنهجيًّا بالموسيقى؟

منذ سنوات قليلة، استقبلْنا في الكنيسة مجموعة مِن "الموسيقيين" مِن إحدى البلاد، الذين جالوا على كثيرٍ مِن الكنائس في البلد ليساعدوا فِرق الترنيم فيها في موضوع التسبيح والتلحين، وكانت المفاجأة أنّ كلّ أعضاء تلك المجموعة الكريمة، لا يقرأون الموسيقى، كُلّهم يعزفون سماعا! نعم هناك موسيقيون كبار لم يدرسوا الموسيقى، حباهم الله موهبة فذة وتذوّقا موسيقيا فريدا، لكنّ معظم الذين يلحّنون ويعزفون ترانيمنا، هم بلا موهبة ولا دِراية موسيقية لديهم، وجلّ ما لديهم هو هذه الترانيم التي نُقَاصِصُ أنفسَنا بها في كلّ مرة نريد أنْ نرنم.

السادة الموسيقيين الكنسيين، والأخوة المسؤولين الكنسيين، الموسيقى الكنسيّة مُشاركة في الثقافة الموسيقية، وَدَوْر ريادي في رفع مستوى التذوق الموسيقي لدى أعضاء الكنيسة وخاصة الأطفال منهم. يجب أنْ نخجلَ مِن أنفسِنا عندما نَجِد ترنيمة مِن الترانيم تُشبه موسيقاها أغنية هابطة تغنيها مطربة هابطة، صوتاً ولِباساً. يجب أنْ نخجلَ مِن أنفسِنا عندما نَجِد موسيقيين يَصنعون ألحاناً يَتهافتُ عليها كِبار المغنين في المنطقة، وهي مُكرّسة لمواضيع عالمية وبشرية، بينما يَصنعُ الموسيقيّ الكنسيّ الذي لا يَعرفُ حتى قراءة الموسيقى لحناً بِسرعةِ إنهائِهِ صندويشة فلافل! لماذا؟

ثم ارحمونا مِن الأصوات، التي أقلّ ما يُمكن أنْ يُقال بها أنّها بسيطة وعادية جداً، ولا تَصلح بأيّ حالٍ مِن الأحوال أنْ تكون أصواتاً غنائية. أيّ سباقٍ غنائيّ هذا الذي انخرطَ به شبابنا وشاباتنا؟ أيّ غرور بالنفس هذا الذي دفعهم لاقحام أنفسهم في مجال لا ينتمون إليه على الإطلاق، بلْ ويغلقون الطريق على أصحاب الأصوات الحقيقية!

طبعاً لن يُغني الجميع كـ ماجدة الرومي، ولكن يجب ألاّ نَقْبَل ترانيم تُغنى بأصوات بمستوى مطربي ومطربات الاستعراض. صحيح أنّ القاعدة أنْ تُقدّم أفضل ما عندك، وهكذا أقول للشباب في الكنيسة، ولكن أفضل ما عندك، بمعنى أقصى طاقتك، وليس أيّ شيء ليس له علاقة بالخدمة التي تدّعيها.

مِن المرات النادرة التي أُشاهد فيها فِقرات الترانيم في المحطات التلفزيونية المسيحية، خَرَجَ علينا شاب يرنم ترنيمة كَسَرَ فيها كلّ الحركات "التشكيل"، وصوته يُشبه صوت نِصف أعضاء كنيستي، وفي كلّ حال أصوات معظمهم على مستوى صوتي! وساءَلْتُ نفسي: يا تُرى كم كلَّف هذا الفديو كليب؟ والتسجيل و... و...؟ مُقابل أنْ يخرج هذا الشاب لِيُجبرنا على قُبولِه مُرنماً موهوباً وعازفاً على الغيتار!

أيها السيدات والسادة،

الترنيمة، دَرْس تعليم مسيحي، إنْ لم نَقُلْ لاهوتي، ودَرْس موسيقى، ودَرْس لغة عربية، ودُروس أخرى عديدة، فَهَلّا تسائلون أنفسكم إنْ كنتم بترانيمكم تقدّمون شيئاً مِن هذا؟

حلب 18 حزيران 2013