العلاقة بين الثورة والثور!

مِن نَهفاتِ اللّغة العَربيّة هذه العَلاقَة اللّغويّة، الطّبِيعيَّة، الصَّميميَّة والحيَوانِيَّة بين الثّورة والثّور. فمعاجم اللغة العربية تبدأ معظمها الحديث عن هذه العلاقة بالقول:

الثَّوْرُ: الذَّكَرُ من البَقَرِ والأُنثى ثَوْرَةٌ!

أمّا الجمْعُ فمُتَعدِّد جداً، ولستُ أَدْري لماذا؟ فيُمْكِنُ أنْ يكون: ثِّيْرَانُ، أَثْوَارُ، ثِّوَرَةُ، ثِوَرَةٌ، ثِيَرَةٌ، ثِيارٌ، ثِيارَةٌ.

ولكي لا تَقْلقَ عزيزي القارئ، فالثّورُ والثّورةُ لا تُشيرانِ إلى البَقَرِ – إنتَ أكبرْ قَدْرْ! بَلْ وأيضاً:

بُرْجٌ من بُرُوْجِ السَّمَاءِ، العَرْمَضُ على وَجْهِ الماءِ، البَثْرُ الذي يَخْرُجُ من الفَمِ، أكَمَةٌ بَيْضَاءُ.

بل وأيضا:

الثورة - يعني البقرة - يمكن أن يقال لها "مُثِيْرَةٌ" أي أنَّها تُثِيْرُ الأرْضَ تَقْلِبُها للزِّرَاعَةِ. وهناك استخدامات أخرى غريبة للثورة ومذكرها ومشتقاتهما، مثل:
ثارَ الدُّخَانُ والغُبَارُ والدَّمُ: إذا تَفَشَّى فيه وظَهَرَ.
الثَّوّارَتَانِ: الخَرْقَانِ النّافِذَانِ في أوْسَاطِ الوَرِكَيْنِ.
الثَّوّارَةُ: الخَوْرَانُ.

الثَّوْرُ: البياض الذي في أَسفل ظُفْرِ الإِنسان.

ولأن العرب، حتى قديما، أحبوا الحيوانات – حبّاً جمًّا، فأطلقوا صفاتها ومنها الثّوريّة – يعني البقرية – على الناس! قالوا:

ثارَ الشَّعرُ: قامَ. وهُوَ ثائرُ الرَّأْسِ.

ثارَ فَرِيْصُ رَقَبَتِه: إذا انْتَفَخَ من الغَضَبِ.

ثارَتْ نَفْسُه: إذا جاشَتْ.

ثارَ ثَوَّرُهم وثُوّارُهم وثَوْرُهم: أي ثارَ شَرُّهم. وكذلكَ ثَوِيْرُهم وثائرُهم: إذا كَثُرُوا وزادُوا وضَخُمَ أمْرُهم.
والثَّوْرَةُ: العَدَدُ الكَثِيْرُ.
الثَّوْرُ: الأَحمق؛
ومَعاجِمُ اللّغَةِ لا تَقولُ، ولكنّني أَفتَرِضُ أنّ أنثى الأحمق ستكون: ثَوْرَة! أيْ إذا – لا سَمَحَ اللهُ – تَكَاثَرَ الحَمْقَى صاروا ثَورةً ... أيْ كَثْرةً مِنَ النَّاسِ!

أمّا الرَّجُلُ البَلِيدُ الفَهْمِ فيُقالُ لهُ: ما هو إِلاّ ثَوْرٌ، كذلك أفترِضُ أنَّ أنثى الرجلِ البَلِيدِ الفَهمِ سيُقالُ فيها: ما هي إلا ثَورَة!

مِنْ هنا يُلائم الدُّعاءُ للإناثِ والذُّكُورِ على حدٍّ سواء، لكنَّنا – احتراماً – سنُقَدِّمُ الإناث:

اللَّهُم لا تَجْعلْني ثَورةً، فَتَثُور فَرائِصي، ويُثارُ شَعرُ رأسِي، فأَثَوّارُ كالثَّور، فتَنْغَلِقُ ثَوّارتاي، فَتَنْخَرِقَ أَحشائِي، فأُثِيرُ الأرْضَ مِنْ حَولي قَاتِلَةً البَشَرَ الأبْرِيَاءِ.

قَبَّحَكِ اللهُ يا مَعَاجِمَ اللُّغةِ العَربيّةِ على هَذهِ الأفْكَارِ الثّوْريّةِ!

حلب 3 تشرين1 2012