ملكة جمال القرن السادس الميلادي!

 

أراد عمرو بن حجر ملك كندة، جد أمرئ القيس، أن يخطب ابنة عوف بن ملحم الشيباني والتي لقبت بأم إياس، فأرسل امرأة تنظر فتنقل له حقيقة جمالها، فعادت المرأة لتصف الفتاة، وهذا ما قالته بها:

رأيتُ جَبْهَةً كالمرآةِ الصَّقيلة، يُزيِّنُها شَعرٌ حالِكٌ كأذْنابِ الخيل المضْفُورةِ، إنْ أَرسلْتَهُ خِلْتَهُ السلاسل، وإنْ مَشَّطتَهُ قُلتَ عَناقِيدَ كَرْمٍ جَلاها الوابِلُ. ومع ذلك حاجِبانِ كأنَّهما خُطَّا بِقَلمٍ، أو سُوِّدا بِحُمَمٍ، قد تَقوَّسا على مِثلِ عَينِ العُهْبُرة، التي لَمْ يَرُعْها قانصٌ، ولم يَذْرها قسورة، بينهما أَنْفٌ كَحدِّ السيفِ المصقول، لم يَخْنس به قِصَر، ولم يُمْعنْ به طولٌ، حَفَّتْ به وَجْنتانِ كالأرجوان، في بَياضٍ مَحْضٍ كالجُمان، شُقَّ فيه فَمٌ كالخاتم، لَذيذُ المُبْتَسم، فيه ثَنَايا غُرٌ ذَواتُ أَشَرٍ، وأَسنانٍ كالدُّرِّ، ورِيقٍ كالخمرِ، له نَشْرُ الروضِ بالسحر، يَنْقلبُ فيه لِسانٌ ذو فَصاحةٍ وبَيان، يَقْلِبُهُ به عقلٌ وافرٌ، وجوابٌ حاضر، تلتقي دونَهُ شَفتَانِ حَمراوانِ كالوَرْد يَجلِبانِ رِيقاً كالشَّهْد.

تحت ذلك عُنْقٌ كإبريق الفضَّة، رُكِّبَ في صَدرِ تِمثالِ دُمية، يتَّصلُ به عُضدانِ مُمتلئانِ لحماً، مُكْتَنِزانِ شَحْماً، وذِراعانِ ليس فيهما عَظمٌ يُحَسُّ، ولا عِرقٌ يُجَسُّ، رُكِّبَتْ فيهما كَفَّانِ دَقيقٌ قَصَبُهما، لَيِّنٌ عَصَبُهما، تَعْقِدُ إنْ شِئتَ منهما الأنامل، وتُركَّبُ الفُصُوصُ في حُفَرِ المفاصِل.

وقد تَربَّعَ في صَدرِها حَقَّانِ كأنَّما رُمَّانَتانِ، يَخْرِقانِ عليها ثيابَها، مِنْ تَحتِهِ بَطنٌ طَوى كَطَيِّ الطباطبى المدمجة، كَسَى عكناً كالقراطِيسِ المُدرَجَة، تُحيطُ تلك العُكُنُ بِسُرَّةٍ كَمَدْهَنِ العاجِ المجْلو، خَلْفَ ذلك ظَهرٌ كالجَدْول، يَنْتَهي إلى خَصرٍ لولا رَحمةُ الله لانْخَذَل، تَحتَهُ كَفَلٌ يُقْعِدُها إذا نَهَضَتْ، ويُنْهِضُها إذا قَعَدتْ، كأنَّه دِعْصُ رَملٍ، لَبَدَهُ سُقوطُ الطَّلِّ، يَحمِلُهُ فَخْذانِ لَفاونِ، كأنَّهما نَضِيدُ الجُمَانِ، تَحمِلانِ ساقانِ خِدلَّجتانِ، وُشِّيَتا بِشَعْرٍ أسودٍ كأنَّه حَلَقُ الزَّرَدِ، ويَحملُ ذلك قَدَمَانِ كَحَذوِ اللِّسانِ، تَباركَ الله، مع صغرهما كيف تطيقان حمل ما فوقهما!

فأما ما سوى ذلك فتركت أن أصفه غير أن أحسن ما وصفه واصف بنظم أو شعر.