وبقيت غزة!

 

فاجأني ابني صاحب السنوات الثماني، وهو يُعبِّر عن انزعاجه مِن إضافة البقَّال الخضرة إلى بضاعته وَوَضْعِها على الرصيف، فَقَطَعَ الطريق علينا، حيث قال بعفوية وانزعاج "لقد احتلَّ الرصيفَ كما فعلت إسرائيل واحتلت غزة"!

وتصريح صاحب العقد الذي لم يَكْتَمِلْ بعد، فاجأني بشدة لسببين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي.

أمّا الإيجابي،

فقد فاجأني فأسرني وَعْيُه لقضية الأُمَّة، وهو طفل ظننتُ أقصى ما يُفكِّر به ألعابه الكمبيوترية ودراجته الهوائية. وإذْ بإبني الصغير الصغير مُنتبه جيداً لغزَّة وألمها، ووحشية مستعمرها، بل وقادر على إعطاء أمثلة وتطبيقات من الحياة.

أمَّا السلبي،

فقد فاجأني فأحزنني، أنَّ القضية لديه صغُرت وباتت على حجم غزة فقط!

وتَلَمَّسْتُ العذر لابني، ولست مُجحفاً في عذري، نعم، إنَّ وجدان هذا الطفل هو انعكاس لوجدان الأمة، وذاكرته الغضة خزَّان لذاكرة الأمة، وإذْ بوجدانه يتحرَّق لِغزة، وذاكرته لا تعرفُ سوى احتلالاً لِغزَّة، وصَرَخَتْ أحشائي أين كل فلسطين؟

لم يَخْتَزِل هذا الطفل، وسواه مِن أطفال الوطن القضية بغزة، لكن هكذا فَعَلَ أمام عينيه الإعلام "العربي"، وهكذا فعلت نشرات الأخبار والتعليقات السياسية التي يَضطَّرون إلى سَمَاعِ بعضها لسبب متابعة آبائهم لها؛ ولربما نحن البالغين أيضاً، نسينا "الكلَّ" لشدَّة الاهتمام بالجزء، فأضحت قضية القضايا: "الوفاق بين حماس وفتح" و "ردم نفق أو اثنين" و "فتح بنك في القطاع" و ... و... و ... ونَسِيَ العرب والغرب والشرق المساكين الساكنين مع الأنقاض، ونسوا "كل" فلسطين!

استدرتُ نحو ابني مُفتخراً به، ومؤيداً مقاربته قائلاً: هذا صحيح يا حبيبي، والخشية أنْ يُغلِق علينا البقَّال الرصيف كلَّه، كما أخذت إسرائيل فلسطين كلها.

وكانت الشروحات مطولة!

 

حلب 25 نيسان 2009