حبيس نفسي

هذا ميلاد آخر وأنا ما أزال حبيس زنزانتي الصغيرة. هي بضعة ميلميترات قليلة في رأسي، تحبسني انفراديا، وتُكرِّر عليّ الأضواء نفسها، الألوان نفسها، الأفلام نفسها، مواعيد التنفس نفسها.

تُكرِّر عليّ الأسماء نفسها، الأشخاص أنفسهم، وصُوَر وصُوَر وصُوَر نفسها، حتى كأني سأتقيأ نفسي.

أصرخ إليهم: ألا ليتكم تضربوني، ليتكم تخرجوني خارجا وترموني بين الصخور أكسرها، أطحنها وتطحنني. ألا ليتكم تجرحوني، علّي أتلهى بآلام تُنسيني حبسي الضيق المقيت.

في ساعات آلام التكرار هذا، كثيرا ما تساءلتُ: لماذا يصرفون جهودا حثيثة لتعذيب المساجين جسديا؟ لماذا لا يتركونهم حبساء زنازين كالتي أنا فيها، وأنا أضمن لهم أنهم سيموتون سريعا!

هذا ميلاد آخر، وأنا لـم أنسَ!

لـم أنسَ الوجوه ولا الأسماء ولا الأصوات ولا الاتجاهات ولا... ولا...

ولـم أخرج!

مع أني سمعتهم يوم رموني في علبة الكبريت هذه، أنهم سيُخرجوني لاستنشاق أفكار جديد وامتصاص صور مختلفة، لكنهم لم يفعلوا، ولم أخرج. أو ربما خرجت بالفعل، لكنني لم استطع إدخال أي جديد معي في عودتي إلى حبسي الصغير!

في الحقيقة لا أعرف، أو أنني لا أذكر بالضبط ما حصل! أشعر وكأنني أعبر على أمور جديدة كثيرة، لكنها لا تستقر أبداً في خزان ذاكرتي، كأنها تعبر عبورا بلا توقف ولا تمهل ولا حتى تترك تلميحا. فأنا منذ دخلت هذا السجن المقيت، لم يزدد عندي شيء جديد، فكل ما يجري وكل ما أحصل عليه إنما هو تكرار وتكرار وتكرار!

هذا ميلاد آخر يزورني، منذ حزمت حقائبي وسافرت بعيدا بعيدا، حتى لم تعد هناك مسافات، فوجدتُ نفسي معي في حَبْسٍ واحد، كأني لـم أخرج، وكأني لـم أسافر، وكأني ما التقيت منذ ميلادات عديدة أي شخص جديد!

فأنا في الواقع حبيس هنا والآن!

 

24 كانون1 2016