الإنشقاق السوري

تشقّق البلد، وما زالت أحداث الانشقاقات تتوالى، تتكرّر وتتبدّل، حتى تحول الأمر إلى شَقيقة لا يهدأ ألمها في رؤوسنا ليل نهار. فالإنشقاقات السورية تعدت كل منطق، وحطمت كل مبدأ ودعست على كلّ كريم نقي شريف ممّا نشأنا عليه.

فمسؤولون كبار، كانوا قد طبّلوا وزمروا للبعث، عبدوا شعاره، بخروا لمبادئه، زوجوا بناتهم وأبناءهم لقضيته، وهكذا صعدوا إلى مراتب لا يُعلى عليها في مناصب الدولة. وإذ بهم ينشقون! ولكن على من ينشقون؟ ومِمَن ومِنْ ماذا ينشقون؟

 

فجأة صحا ضميرهم، وانفتحت أعينهم، وفهم عقلهم أنّ النظام فاسد، والحزب كافر، والمال الذي سرقوه من الناس – عدا رواتبهم – لا يكفي، فانشقوا! أو بمعنى آخر شُقُّوا. عفوا، أقصد تم دفعهم للانشقاق! وأمطرت السماء عليهم أموالا أضعاف ما نهبوه مِن قوت الناس وأرزاق العباد وخزانات الدولة!

ولكي نصير اضحوكة الناس، انشق المنشقون عما انشقوا إليه أولا!

 

لا، لا، هذه ليست مزحة أو خطأ في الكتابة، بل هو النموذج السوري في الانشقاق، المبرمج لكي يسخر الناس منّا. فبعض أولئك الذين صحا ضميرهم، اختفت آثارهم وانطفأت أخبارهم، يا سبحان الله! لابد أنهم يجاهدون في الخفاء! وبعضهم الآخر، مع مرّ الشهور، اكتشف أنّ ما انشق إليه لا يشبع نهمه للسلطة أو للقتل أو للمال، فتحول إلى جماعات إسلامية متطرفة، فالله دعاه لقتال الكفرة والخروج على الحاكم المارق. وهكذا هطلت عليه أمطار الخليج.

ولكن، يبدو أنّ هذه المسرحية حتى هذا المشهد لم تضحك المتفرجين كفاية، فكان لابد من مشهد جديد يجعل المشاهدين يقلبون على ظهورهم من الضحك، لهذا:

 

انشق المنشقون عما انشقوا إليه ثانيا! يا للهوال ويا للعجب! فهذا ماقرأته اليوم، أن بعض المنشقين إنشقاقين، وجدوا الآن أن بعض الدول تلعب بمصير البلد، وأن بعض أجهزة المخابرات لها أجنداتها الخاصة! لهذا قرّروا الانشقاق. ولكن إلى أين هذه المرة؟ غير واضح. الواضح والمهم أن المشهد الكاريكاتوري لابد أن يستمر، وأن السوري يجب أن يظهر بمظهر "الأهبل" حتى النهاية.

أما المشهد الأخير – حتى الآن – فهو أن بعض الذين انشق عن الانشقاق الذي انشق عنه، عاد وانشق إليه!

 

يا جماعة عيب عليكم! ماذا ستقولون لأولادكم؟ كيف سنقرأكم في التاريخ غدا؟ وكيف سنرقع كل هذا الانشقاق في البلد؟ فبينما تقفزون كالأرانب من إنشقاق إلى إنشقاق، تشقون الناس والأرض والتراث والامكانيات، حتى بِتْنا في حال لا تصلحنا كل رقع الدنيا! هل حقا لا تلاحظون ولا تفهمون؟ هل حقا لا تأبهون؟

وأنا أعتقد أنكم تفهمون وتفقهون ولا تأبهون. لهذا فإننا بانتظار - جنيف2 – ليس من أجل حل الأزمة، بل لكي نتابع فصلا جديدا من مسرحية الانشقاقات، لأننا ما نزال ننتظر منشقين ينشقون عما انشقوا إليه، إما إلى أمر جديد، أو إلى ما كانوا انشقوا عنه من إنشقاقين أو ثلاثة إنشقاقات.

وهذا كله لكي تثبت فرادتنا في التاريخ الذي سيضم لأول مرة هذا الكم من الانشقاقات لدى شعب واحد في سنة واحدة! فهنيئا لنا موقعنا الجديد في موسوعة "غينيز" في فصل "إنشقاقات الشعوب"!

بيروت 6 كانون1 2013