فريقان لعملة واحدة

بماذا يختلف فريق المراقبين الدوليين الذي يجول ويصول أعضاؤه في سوريا اليوم عن فريق المراقبين العرب الذين جالوا وصالوا فيها قبل أشهر؟

باعتقادنا كلاهما وجهان لعملة واحدة.

فبالرغم من انخداعِ بعضنا - وما يزال - بما يسمى "الأمم المتحدة" و "مجلس الأمن"، إلا أن سوء هذه المؤسسة مكشوف ومُعرى في صفحات التاريخ. ولعلّ البعض يعترض، بانياً اعتراضه على ما تتميز به هذه المؤسسة عن الجامعة العربية، وهذا صحيح من نحو أن إحداهما أسوأ من الأخرى.

بالطبع لا يمكن مقارنة الدرك السيء الذي تقبع فيه جامعة الدول العربية بمساوئ الأمم المتحدة، ولا حتى بمؤسسات إقليمية ودولية أخرى، فهذه الجامعة وعبر عشرات السنين التي مرَّت مِن عمرها لم تصل إلى أكثرَ مِن أنها بؤرة فاسدة لجماعة من السلطات الفاسدة التي تتوزع ببعض الدول العربية. لهذا، وبالرغم من كل ما قِيل عن محاولات لجعل الجامعة ذات دور حقيقي في حياة شعوبها، إلا أن أمرها كان وما يزال لا تنطبق عليه سوى المقولة العامية "فالج ما تعالج".

إن اعتراضنا على فريق المراقبة لا يتصل بأشخاص المراقبين، فلا بُد أن بعضهم ونرجو أن يكون معظمهم أشخاصا ذوي أخلاق ومهنية وأمانة، لكن المشكلة ليست فيهم، بل في مَن أرسلهم، ومَن يُقيّم عملهم. فهذا فريق المراقبين العرب، كان بين صفوفه أكفاء وأمناء على غير ما توقعت جامعة الكذب العربية، وكانت النتيجة أن الفريق وأيامه في شوارع سوريا وتقاريره تم إلغاؤها وكأن شيئا لم يكن!

واليوم أرسلوا لنا هذا الفريق، لكن مَن أرسله؟ إن أكثر مِن نصف أعضاء مجلس الأمن ضالعون "للعضم" في تقويض الوضع في وسوريا حتى النهاية، ومُكرِّسون طاقاتهم بكل قوتها لهدم البلد، فماذا يتوقعون من هذا الفريق؟

إنها العملة نفسها.

إننا لا نصدّق مجلس الأمن – حتما! ولا نعتقد أنّ الأمم المتحدة تجد حلولا جذرية على الإطلاق لأية أزمة نشأت وتنشأ حول العالم. فكل أزمة تسلمتها الأمم المتحدة، كانت النتيجة إما إعماء العين عن المظلوم لصالح الظالم أو تجميد "تجليد" ما وصلت إليه الأزمة إلى أجل غير مُسمى.

أكثر مِن أربعين سنة، كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن ترى وتسمع ما يحدث في جنوب إفريقيا بحق السود من مظالم لا تُجرى حتى على الحيوانات، ولم تحرك ساكنا، حتى أنفذ الشعب بنفسه إرادته وكسر الظلم بدون الأمم المتحدة ومجلسها الوضيع.

أكثر من أربعين سنة، كانت الأمم المتحدة ومجلس الأمن راضية تماماً على تقسيم ألمانيا كعقاب لها إثر نهاية الحرب الثانية، وعائلات مشردة بين القسمين، وتأجيج عداوات بين أولاد البطن الواحد، ولم تحرك ساكنا، بينما كان جبابرتها الخمسة يؤججون الحال على طرفي الجدار، حتى كسر الشعب بنفسه جدار العار بدون الأمم المتحدة ومجلسها الخسيس.

مائة سنة على تشريد آلاف آلاف العرب والسريان والأرمن إثر عمليات التطهير العرقي قبيل الحرب العالمية الثانية، لا تذكرهم الأمم المتحدة ولا مجلسها، لولا صوت أرمني ومرات سرياني يعلو بين حين وآخر مذكرا بما حدث.

أيّةُ صفحة من التاريخ تذكر قضية عالقة توكّلتها الأمم المتحدة ومجلسها المتعجرف فحلحلت عقدها وأنجزت إكمال عناصر الحل فيها؟

صحيح! هناك البوسنة والهرسك التي أُنجِزَ وجودُها المريض بأموال السعودية وأعداء الروس.

والآن، فقط الآن تستطيع الأمم المتحدة أن ترى ما يجري في السودان، بعد أكثر من خمسة وعشرين سنة من الحرب الأهلية، والتطهير الديني والعرقي، الآن تستطيع أن ترى وصار لها لسان تتحدث فيه عن المظالم هناك!

ولأننا نحن العرب ضعاف الذاكرة – هكذا خُلقنا فاعذرونا - لهذا لا نتذكر تفاصيل القضية الفلسطينية، مع أن حل أزمة هذه القضية كان وما يزال واضحا، يكمن بإبطال الظلم الصارخ وبعودة الناس إلى ديارهم، لكن الواقع هو بقاء الاحتلال، وبقاء النازحين نازحين، ولإدخال الأزمة في أطول فترة تجميد في التاريخ، تم إنشاء ما يلزم من مؤسسات إنسانية لإبقاء النازحين نازحين.

واليوم مجلس الإرهاب نفسه، مشفوعا بتوصية من المجلس الأعور لحقوق الإنسان، ومدفوعا من منظمات إنسانية، كانت جاهزة لشراء الأطفال في آخر زلزال ضرب هايتي! يرسل فريق مراقبين لسوريا، فماذا نتوقع أن تنجز لنا الأمم المتحدة، بعد أن "جمّدت" بمعنى "جلّدت" قريباً منّا وعلى أرضنا نفسها قضية ملايين الفلسطينيين – حتى إشعار آخر! والآن تُنجَز المستلزمات الكافية لتجميدٍ مُشابهٍ لقضية ملايين العراقيين النازحين خارج العراق!

ثم مَن يُراقب هؤلاء المراقبين؟ قلنا إنّ بعضهم وربما معظمهم مهنيّون وذوي ضمير – نرجو الله – ولكن الأمر لا يخلو، فمَن يراقبهم؟ مَن يعرف ما تحتوي تلك السيارات التي تصلنا تباعا لخدمتهم؟ مَن يعرف ما تحتوي الحقائب التي تصلهم والتي تصدر عنهم، وقد رأينا في لبنان حقائب ذوي القبعات الزرقاء تحمل كمبيوترات المحكمة الدولية من بيروت نزولا نحو الجنوب لتعبر الحدود وتستمر نزولا حتى تل أبيب لتنحرف يمينا بعد ذلك باتجاه البحر لترحل خارجا، عجيب! كيف لا يوجد في لبنان مطارا دوليا أو مرفأ دوليا تستطيع الأمم المتحدة تصدير هذه البضائع عبره؟!

باختصار، إنّ فريق المراقبين الدوليين الحالي – برأينا – لا يختلف عن سابقه من المراقبين العرب، سوى بكلمتين هما: "عربي" و "دولي"، لهذا لا نثق به ولا بما سيصدر عنه، خاصة وأن الأمين العام لهذه المنظمة الهرمة، يسبق تقرير المراقبين بتمهيدٍ كلاميّ بعيد المدى عن الوضع السيء في البلد وعن عدم تمكن الفريق مِن إنجاز مهماته.

فأنهوا خدماته الآن قبل أن تكتمل تمثيلية إنهاء مهمته كما رأينا النسخة الأولى من هذه التمثيلية تُمثَّلُ على مسرح جامعة الدول العربية.

حلب 25 أيار 2012