الرصيف المسكين

أتكلم هنا عن الرصيف – حرفيا – ولكي نبدأ بداية صحيحة أقدم بعض التعاريف الأولية والأساسية في هذه المقالة:

الرصيف هو تلك المساحة من الشارع المخصصة أو التي خُصصت بالأساس للمشاة.

أمّا المشاة فهم الناس، وبعض الحيوانات الأليفة المنزلية – المفترضة - الذين يعبرون الشوارع والأرصفة مشيا على الأقدام.

بينما الشارع أو الطريق، أو الزفت أو السكة، فهو المكان المخصص لراكبي العربات، اي السيارات والدرجات النارية، وكان يجب ألا يكون هناك "كميونات" أي شاحنات، ولكن لا بأس!

وسيَنصبُّ همّنا هنا على الرصيف، الذي يُعتبر الحلقة الأضعف في كل ما ذكرنا. لماذا؟ لأن كل التعديات تقع عليه، بالرغم من أن القانون قد حماه وصانه ببنود واضحة صريحة، وإني لأستغرب حقا كيف يتجرأ أحد ما ويتعدى على الرصيف؟

الأسبوع الماضي، كنت في دمشق، وبالطبع كنت مضطرا للذهاب إلى محطة انطلاق الباصات التي ليست جميلة ولا نظيفة ولا مرتبة! وهذا ليس حديثنا، حديثنا أنني فوجئت بالرصيف المقابل للمدخل الجانبي للمحطة، ذلك المدخل الذي عليك ان تحمل حقائبك وتجرجر أولادك مائتين ثلاثة مائة متر، حيث مُنعت السيارات من دخول ذلك الطريق، دون أن نفهم الحكمة من هذا! منذ أن استحدث مسؤولو المحطة الأذكياء هذا المدخل ونظمت البلدية الرصيف المقابل، وعليه تم افتتاح بعض المحلات هناك، وكان العجيب فيها أنها لم تضع سلعة واحدة على الرصيف العريض جدا هناك؟ وهذا أغرب ما يمكن أن تراه في محيط محطات الانطلاق في كل المدن. المهم كان ذلك منذ بضعة أشهر، لكن في سفر الأسبوع الماضي الذي أتحدث عنه ... "خَزِيتْ العين"، يعني لا حسد ولا ضيق عين، وضعوا بضاعتهم على كل الرصيف العريض جدا، وسقفوه بالشوادر، ولسبب عدم الكفاية، وضعوا كَمْ "بَسْطَه" على الزفت أيضا!

حقا من له حق، بل من يتجرأ أن يستولي على الرصيف؟ وحتى بإذن من البلدية أو سواها من الجهات المسؤولة، هل حقا يحق لموظف أن يسمح أو يستثني أو يَغض النظر عن استخدام الرصيف؟

وحتى لا نبقى في دمشق، نعود إلى حلب، والتي خَفَّتْ فيها خلال السنين السابقة ظاهرة الدكاكين "الكُولبات" التي تحجز الرصيف لتبيع الدخان أو المرطبات أو سواها من السلع. وكان السؤال عنها دائما جوابه كل واحد محسوب على مسؤول ... عجيب! وهل يحق لأي كان أن يأخذ الرصيف من المشاة؟

إن الاستيلاء أو حجز الرصيف، ليست أزمة مواطن أو عائلة أو بيت يطل على الرصيف المعني، بل أزمة تتعلق بكل أبناء المدينة، عندما يحتاجون أن يعبروا من هناك.

لكن أرصفة حلب المسكينة لم يَطُل هناؤها بتخفيف تلك الدكاكين الحاجزة، لنرى اليوم سلسلة جديدة منها تغزو الأرصفة، وهي في الواقع بشكلها الجديد دكان أكثر منه "كُولبه"، فحتى الرصيف العريض جداً المحاذي لمدرسة بور سعيد، اختفى تحت هذا الدكان الكبير، وبات علينا النزول إلى الشارع "الزفت" حتى نتابع مشينا، ولم يكتفِ صاحبه بهذا بل وضع بضعة صناديق على الطريق لتحجز له كم موقف!

ومثله دكان أغلق الرصيف المحاذي لمحطة الوقود في العزيزية أمام مدينة الملاهي، حيث بات على المشاة المساكين النزول إلى الطريق المزدحم أساسا ليل نهار ليتمكنوا من متابعة سيرهم! يا للعجب!

وهنا أكرر السؤال: هل حقا لدى أحد السلطان على اغلاق الرصيف أمام المشاة؟ وإن كان لديه الحق "قانونا" هل ضميره وإحساسه بالمواطنين - وبعضهم أهله - يسمح له بالموافقة على إغلاق الرصيف ببسطة أو دكان خاصة من هذه الداكين الجديدة التي تنتشر في حلب؟

ألا يكفي أن الأرصفة سيئة الصنع مختلفة الارتفاع، كأن كل رصيف صُنع في مدينة ما، بعضها منخفض كأنه جزء من الشارع، وبعضها يحتاج إلى درجتين على الأقل حتى تتسلق عليه! منها ما هو عريض جدا، ومنها لا يتسع سوى لشخص واحد يعبر عليه ومع هذا تقطعه درجات دكان صعودا هنا، ودرجات دكان نزولا هناك، ومنها ما تسير عليه حتى تنسى متى بدأت، ومنها ما تضطر لتقفز من واحد لآخر، حتى تظن نفسك تعلب إحدى ألعاب الطفولة، هذا ما عدا أعمدة الكهربا، وشاخصات السير، وما تبقى من مواقف أو شاخصات قد تمت إزالتها وبقيت "لنتفركش" بها، وسواها من أزمات رصيفية ... لا يكفي كل هذا، حتى تأتينا هذه الحواجز وتقطع كل الرصيف؟!

إنني إهيب بالمسؤولين بهذا المجال، أن يقضوا اللازم ليفتحوا الطريق مرة أخرى أمام المشاة، فلا تضطروهم لاستخدام الشارع.

فتبدأ أرصفتنا تتحول من الرصيف المسكين إلى "رصيف المشاة".

حلب 10 حزيران 2010