اليقظة المتأخرة

ليس مِن باب التَّهكُّم، ولكن مِن باب مُطابقة المثل للواقع أقولُ للمسيحيين فـي أميركا "يْطْعَمَكْ الحجْ والناس راجْعَه"!

ما أنْ خرج نبأ إقرار قانون الزواج الجديد في أميركا، حتى انْتابَ المؤمنين الأميركيين شعور كبير بالخطر، وأَحسّوا بعلامات خُروج حلفائِهم الأشرار عليهم! وإنّـي لأَعْجَب لهذا الشعور المتأخّر، بل الـمُتلبّد فهل كانتِ الكنيسة عَمْياء كلّ ما مضى مِن وقت؟

عشرات السنين والكنيسة في أميركا مشغولة بمساعدة "الرب" على عودَتِه عن طريق تجهيز إسرائيل وتحضيرها، وإسرائيل نفسها كانت كلّ تلك السنين تحفر وتعمّق الحفرة للكنيسة!

عشرات السنين والكنيسة في أميركا تشارك وبصوت عالٍ بإيصالِ فلان وفلان للسّلطة، والسّلطات الأميركية مِن أسوإ حكومات العالم أخلاقا، بينما كانت الحكومات نفسها تعملُ بِحرصٍ شديد على مُتابعة إصدار القوانين التي تُضيّق الخنّاق على الكنيسة، واليوم المتهم "أوباما"!

صفّقوا لـ "بوش" الأب والابن وهما يُدمِّران العراق دُون أنْ يَنسوا إرسال آلاف النسخ مِنَ الإنجيل إليه، فهل سألوا أنفسَهم: كم إنجيلا وَزَّعوا في نفس المرحلة فـي أميركا؟ شَتَموا كلينتون ولم يُصوّتوا له لأنّه تَحرّش بامرأة، والزِّنـى وانحلال الزواج في أعلى مستوياتِهِ مُطلقا!

عشرات السنين والكنيسة في أميركا مشغولة بإرسالة مئات المرسلين إلى كلّ أنحاء العالم ما عدا أميركا! ويتحدثون عن بطولات مرسليهم، وعن استثنائية ما تفعله كنيسة أميركا، وهم لا يَنتبهون أنّ كنيسَتَهم نفسها تَضْعُف وتَنْفَصِل عن المجتمع، ويُسحب البساط مِن تحتها شيئا فشيئا!

عشرات السنين وأميركا تُخَلِّف أو تَستَقْطِب كلّ هرطقة في العالم، وكلّ فِسْق مِن كلّ مكان، والكنيسة تُطَبِّل وتُزَمِّر لحرية الرأي والديموقراطية السخيفة.

وقفوا مع حكوماتهم السيئة ضد الشيوعية، وكانوا صفقوا لِتَحالفَاتِها مع الحكومات القَمعَّية في أميركا اللاتينية، ويَفتخرون معها بصداقتِها مع النظام السعودي المجرم، يُحرّضُونها على كوريا الشمالية وإيران. في الوقت الذي تُصفّق بالسّرّ نفس هذه الحكومات فَرِحة بِتَراجع دور وحضور الكنيسة في الحياة الأميركية لِصَالح عَبَدَة الشيطان والإسلام والإباحيّة وكلّ شرٍّ آخر. فماذا تَتَوقّعون بعد هذا؟

عفواً يا سادتي، لا يـُمَثِّل أوباما بُؤرة الخطية، ولا هو مُمَهّد الطريق للدّجّال الأعور ولا ضد المسيح. هو خُلاصة الانحطاط التي كانت الحكومات الأميركية المتوالية ذاهبة إليه، آخذة معها شعبها وطبعا الكنيسة "الغافلة"!

ماذا كانوا يتوقعون والزواج مُنذ سنين طويلة فقد قِيمَته عند معظم الأميركيين. فالطلاق مِن أعلى النسب في العالم، وإنجاب القواصر مِن أبرز مشاكل المجتمع، والـمُساكنة هي النموذج الأشهر في البلاد. بل مِن عِندِهم خَرجَتْ نظريات إعادة اكتشاف النفس جنسياً، وتَروِيج تَسميّة الـمِثْلِيّة الجنسية بَدَلَ الشذوذ الجنسي، وأَكْثَر مِن هذا وذاك، وُجُوه بارزة في الإعلام والسياسة والمجتمع كانوا دائماً مِنَ الـمِثْلِييّن! فماذا كانوا يَتوقّعون أنْ يكونَ التالي؟

اليوم، استيقظتِ الكنيسة بعد صَفْعَة قانون الزواج الجديد، لكنّني أرجو أنْ يَكون استيقاظها كاملاً لِتَرى كَميّة وحقيقة الشرور التي تُحِيط بها مِن كلّ ناحية وصوب.

كالغري 31 حزيران 2015