محطة باصات حلب والجرائد

لقد عاصرتُ، بمعنى وعي التفاصيل، أربع محطاتٍ للباصات في مدينة حلب. وعندما تَتذكَّرُ محطة الباصات في حلب، لا تستطيع  إلاّ أنْ تَتذكَّر شِئتَ أم شِئتَ:

صُراخَ سماسرة الباصات والبائعين و"البويجيه" الذي يَطغى على أصواتِ مُحركّاتِ الباصات، بما فيها باصات "الهوب هوب" أيام زمان! وإذا كنتَ شاباً صغيراً يا مَنْ تقرأُ هذا، فإنَّ باصات "الهوب هوب" لا علاقة لها بغناء "الهيب هوب"، أقولُ هذا للعِلْم فقط!

وأوساخ مزمنة في معانقتها أرض المحطة، بالرغم من مواظبة عامل التنظيفات على اقتلاعها وجمعها بأدوات تنقصها أدوات الكنس والتنظيف.

وما يمكن أنْ يُسمى - وهذا عن طريق الخطأ - "كافتريا"، وهي تُشبه أيَّ شيءٍ سوى أماكن تقديم الشراب والطعام والترطيب.

وطبعاً لا يُمكنني أنْ أنسى ذلك الشخص "الدبق" الذي يلصق بك حتى يُقنعك بلطافةٍ وتودُّد وإلحاح أنْ تسافر بباصِهِ لأنَّه "الآن .. الآن" سينطلق، ولأنَّه الأسرع والأنظف والأحدث و و و ... وما أنْ تَصِل الباص حتى يُلاقِيك شابٌ يَطلبُ مِنْك "الهوية" وكأنَّه حالةٌ أمنية طارئة، ومِنْ ثم يَصرخ على الأسماء وكأنَّك في دورة الأغرار من جديد، و معاون للسائق نَسيَ تَسريح شعره، وتَنظيفَ أسنانه، وتَحمِيم نفسه طوال الأيام العشرة الماضية، يَنتَظِرُ تحركاتك بمراقبة حثيثة حتى يرفع صوته بوجهك، ويؤكد لك ولكل الركاب أنَّ خلقه ضيق ولا يريد "مناظر".

على كلِّ حال، ما لنا وهذه التفاصيل المؤلمة التي نَتعرَّض لها حتماً، وأيضاً في المحطة الجديدة الساكنة في المريخ، في كلِّ مرَّة سنُسافرُ فيها من حلب نحو مدننا الجميلة الأخرى، فما يَعنينا هنا سؤال طالما حيّرني منذ كنتُ مضطراً للسفر مع عائلتي شابا صغيراً وحتى اليوم،

وسؤالي هو:

لماذا لا تُباع الجرائد والمجلاّت وسواها مِن مواد القراءة - وقاكم الله - في محطة انطلاق الحافلات في حلب؟ على الأقل بعد أنْ أكرمتنا معظم الشركات بباصات جديدة، فيها تلفزيونات بموديلات حديثه، ومراحيض لا يُسمح باستخدامها، وباصات "رجال الأعمال"؟

لماذا محطات الباصات القديمة والحديثه منها في دمشق وحمص وحماه اللاذقية وطرطوس وسواها من المدن التي زرتها تبيع هذه "المواد" وفي حلب لا؟

ومع الدعاية الكبيرة التي رافقتْ تأسيس المحطة الجديدة في حلب، كنت أتوقّعُ صالةَ انتظارٍ كبيرةٍ مرتّبةٍ مجهّزة أفضل مما رأينا في حمص وحماة. تَجِدُ فيها الناس يجلسون ينتظرون مواعيد سفرهم وهم يَتصفَّحون الجرائد ويقرأون الكُتُبَ التي معهم أو التي اشتروها، وإذْ بمحطة "الهوب هوب" في باب جنين، كان لها صالة، والمحطة الحديثة مجهّزة لتقف في العراء فتكره حتى الورق الذي يُطيِّره الهواء من حولك!

ألم يلاحظ السادة المسؤولون، إنْ في أجهزة الدولة أو في المؤسسات والجمعيات ذات العلاقة هذا النقص الغريب؟

ألم يخطر ببال أحد مِن المئات من أصحاب شركات النقل، والسائقين والمعاونين والموظفين والطُفيليين الذي يصرفون معظم ساعات اليوم هناك؟

ولا حتى وُجِد مُستثمر صغيرٌ يَستثمر كشكاً صغيراً على أحد أرصفة المحطة الجديدة التي يتيه فيها الناس بحثاً عن باصاتهم، يبيع فيه الجرائد والبسكويت والعلكة؟

نعم، سأختم حديثي داعيا المولى ألا أكون قد خرجت على التقاليد السفرية في محطات حلب المتعاقبة، وآخذُ بنصيحة مَنْ تضايق مِن حديثي، بأنْ آخذ جريدتي وأريح نفسي!

دمتم ولا دام تجاهل القراءة في بلادي.