أبو الرّيش

ما زال يَسيرُ في المقدمة نافشاً ريشه. رافعاً رأسه نافِخاً صدرَه إلى الأمام شادّاً ظهْرَه، مدفوعاً ربما بنظرية الديك الذي لابُدَّ أنْ يتقدّمَ دجاجاته وصيصانه. أو ربما مدفوعاً بنظرية عبادة الذكورة التي يبدو أنّها ما تزال سائدةً منذ مرحلة عَتِيقة مِن تاريخ البشر.

ما زال أبو الريش يَسيرُ لابساً بِنطالاً وقميصاً رقيقا، أكمامه قصيرة، فَتحَ نِصف أزراره مُستعرِضاً شَعْرَ صدره، شاعراً بِـحَرٍّ شديد، بينما تَسيرُ خلفَه مُتدثّرة بِـجَلاليب تُعادل قياسها بين خمسة عشر إلى عشرين ضعفاً ممّا يلبس، دونَ أنْ تشعرَ أو تُعبّر عن شعور مُتعلّق بالحرّ، فهي يتساوى عندها الصيف والشتاء، الخريف والربيع!

ما زال يَسيرُ بِيَدَيْنِ فارغتينِ مُشغولتان بِثَنْيَة صغيرة تجعلُهما تُشكّلان مُثلّثين بالتلاقي مع خاصِرَتَيْه، بينما تَسيرُ خلفَه مُعلّقة على كتفِها حقيبةً فيها كلّ المستلزمات، ويَدَيْها مَشغولتانِ بِـحَمل رَضِيْع، وثلاثة أو أربعة مِن الصّغار يَتعلّقونَ بأذيال جَلالِيبها، يَدوسونَ طَرَفاً مِنْه حيناً، ويَصدمونَ ببعضَهم بين ساقَيْها حيناً آخر.

ما زال يَسيرُ في المقدمة وعَيْناه تُـحَمْلِقانِ بكلّ العابرين مِنَ الذكور خوفاً مِن أنْ يُفكروا بالنّظر إلى دجاجتِهِ السائرة خلفَه، وبكلّ العابرين مِنَ الإناث لِيُشْبِعَ نَـهَماً جِنْسيًّا لا حدود له. يَتلفّتُ إلى الخلف بين لحظةٍ وأخرى، لِيَتأكّدَ أنّها ما تزال مُطْرِقة نحو الأرض، وأنْ أولئك الغُرماء لا يَأكُلُونَها بِعيونهم، ويَبْقى يَتلفّتُ إلى الخَلْف والأمام مُفتّشاً مُتأكداً، والأدرينالين يَتَصاعدُ إلى دَرَجات قاتلة ويَهْبط إلى مستوياتٍ دُنيا، لِيُسرعَ للتصاعُدِ ثانية، حتى يَتَحوّل هذا المشوار اللّعين إلى كابوسٍ لا يقلّ طوله عن خمس ساعات، يَصِلُ بَعْدَه إلى البيت مُنهكاً مُـحَطّم القوى مِنْ كثرة استعداداتِه وَرَفْعِ الجاهزيّة القِتاليّة لديه إلى الدرجات القصوى، مُتوقّعاً شِجاراً مع أحدهم حَاوَل بِعَيْنيه التحرُّش بعرضه! لِيَنْفَلِتَ عليها صراخاً وتَقريعاً، دون أنْ تعرف السبب!

مازال أبو الريش يَسْتحيلُ عليه ضَبط تَبَوّله حتى يَنْتَهي مشوار الربع ساعة هذا، فَيَقِفَ فجأةً ويَنْظر إلى قَطِيعِهِ نَظرةً يَفهمون مِنْها المغزى، وخلال لَـحَظاتِ فَهْمِ المغزى، يَكونُ قد وَجَدَ سيارةً أو جِداراً نَاتِئاً قليلاً، لِيَبدأ بإنزالِ بِنْطالِهِ كأنّه في حمّام بيته لِيُخْرِجَ عدَّتِه للهواء الطّلقِ ويُريحَ نفسَه مِنْ عِبءٍ لا يَـجوز حَمْله لوقتٍ طويل. وما يَلْبَث يَنْتَهي حتى يُسرع الصّيصان مِنَ الذكور لِيُقلّدوه بإنزالِ بَنَاطِيلِهم مع "كَلاسِينِهم" مُعرّضين ما أخفوا في الأمام والخلف للهواء الطلق، مُتبارِينَ بالمدى الأقصى للإطلاق المائي، مُنْدهِشِين في داخِلِهم مِنْ البركةِ الكبيرة التي خَلَّفَها دِيْكُهم خلفَه! أمَا هي والإناث مِنَ الصّيصان، فَقَدْ خَلَقَهنّ الله قادراتٍ على حملِ هذا العبءِ كلّ الطريق حتى يَصلوا – حتماً – إلى البيت، دُونَ أنْ يَعْلَمَ – ولن يَعْلَمَ – أنَّهنّ طَرَحنَ نِصفَ المخزونِ في الثيابِ الفضفاضة التي تُـخْفي عُيوباً كثيرةً!

وما أدراكم ما يحصل يوم يأخذ أبو الريش قطيعَه إلى عيادة الطبيب أو في سَفَر أوعند البَحْر!

بيروت 10 حزيران 2014