مِن بَـرّا خـام ...!

 

التقليد، بمعنى تقمُّص حالة أو فكرة أو طريقة شخص أو جماعة ما، إمّا بالمحاكاة أو بالتبني، حالة قديمة ربما قدم الإنسان على الأرض.

فالحيَّة تقمَّصت شخصة الحكيم الصديق، فأوقعتْ بالإنسان الأول،

وقايين تقمَّص شخصية الأخ الوفي، ليقتل أخاه،

ويهوذا تقمَّص شخصية التلميذ المخْلِص، ليوقع بالسيد،

وهكذا ما يزال الإنسان عند الحاجة يحتال على نفسه أو على الآخرين بتقليد طريقته أو فكرته ليروِّج لنفسه، ويحقِّقَ مكاسب لن يحصل عليها إذا بقي بحاله.

هل حصل هذا للكنيسة قديما؟

نعم، وبكل أسف مرات عديدة! منها على سبيل المثال، يوم داعبت السلطة رجال الكنيسة وقادتها أيام قسطنطين الكبير، ودغدغ غنى بلاطه مواقع فيهم كان يجب أن تكون قد صُلِبت مع المسيح يوم آمنوا، ودوَّخت عقولهم وخضَّت السائل في آذانهم الوسطى الفروقات الكائنة بين "تحت و فوق". فتقمَّصوا دور السلطة ولبسوا لباسها، ومارسوا أعمالها، وتبنوا عاداتها، وتقلدوا مبادئها، فنتجت لدينا كنيسة العصور المظلمة!

لكن، هل يحصل هذا للكنيسة أو في الكنيسة اليوم؟ ولا أقصد التزواج مع السلطة، بل حالة التقمص والتقليد؟ والجواب بكل أسف .. نعم !

اليوم، كثير مِنَ الذين يحملون صليبا، ويخفون خلفه جملة مِنْ عباداتٍ وممارساتٍ تُخالف الكتاب المقدس، وتَسلب الرب كل كرامة ومجد لصالح بشر، يتقمَّصون ويتقلَّدون أدواراً للكنيسة، وأفعالاً للمؤمنين، وممارسات تقوم بها جماعات يسوع المسيح، تلك التي ملَّكته على حياتها وأفكارها وقراراتها وعلاقاتها.

فوقع التباس لأولاد الله، واختلط لديهم أمر الذين كانوا بالأمس يرفضون ما كُنَّا وما نزال نقوم به وننطق به ونحيا به، بعد أن تنكروا هم أنفسهم ببعض كلماتنا وممارساتنا.

فكم من مرة أتاني أشخاص فرحون أن الجماعة الفلانية، باتت تستخدم الكلمات الفلانية التي نستخدمها نحن!

وأن الجماعة الفلانية باتت تستخدم بعض الألحان وبعض الترانيم التي نستخدمها نحن!

وأن الجماعة الفلانية تقيم "اجتماعات" تشبه تلك التي نقيمها!

وأنا كنت أقول لهم، وما أزال: انتبهوا إنَّ الرب قال: "ليس كل من يقول لي يارب يارب يدخل ملكوت الله"، وهذا يعني ببساطة ليس من يتقلدني يدخل الملكوت، بل من يطبق شروطي ويحيا طريقتي ويصطبغ صبغتي.

احذروا التقليد أحبائي،

فليست العِبرة بالشجرة المورقة، تلك لعنها الرب فيبست مِن ساعتها، بل العِبرة بالشجرة المثمرة.

ليست العِبرة بِمَن يستخدم مثلا مصطلح "تجديد"، بل مَن تجددت حياته بالفعل، مَن وُلِد من جديد ولادة روحية نقلته من الموت إلى الحياة.

ليست العِبرة بِمَن يُقيم اجتماعا يُفْتَح فيه الكتاب المقدس وتُرتَّل فيه بعض التراتيل. بل مَن في كلِّ اجتماع وكل لقاء اجْتَمَعَ باسم المسيح وحده رباً وسيداً على الحضور جماعة وأفراداً، مَنْ يُعطي المجد للمصلوب والروح الذي يَقُود الكنيسة والآب الذي يحبها ويباركها. وليس لكائنات أخرى بشرية كانت أو روحية، مَن ترانيمه لا يُذكر فيها سوى الاسم الحلو "يسوع"، ولا تُرفع صلواته إلا باسم المسيح وشفاعة الروح القدس.

ليست العبرة في مَن يأخذك إلى البحر ويرجعك عطشان، إذْ يُصلي عنك ويبارك عنك ويرتل عنك ويغفر عنك ويمسك عنك، بل مَن يأخذك لمقابلة الرب المحب، ويتركك جالسا لديه، حيث لا قيود ولا شروط ولا مساعدين بشريين أو روحيين، لأنه هو قال: "تعالوا إلي ... وأنا أريحكم".

أحبائي بالرب

لا تغشنكم القبور المبيضة، فلا شيء هناك سوى الرائحة الكريهة، والعظام المخبأة، والموت والظلمة.

تأكدوا أولا أنه "من برا خام، ومن جوا خام" أيضا!

تأكدوا أن الورق الأخضر الكثير، يحمل معه ثمرا ناضجا لذيذا

تأكدوا أن الترانيم الصحيحه لا تخبئ خلفها ترانيم تمجد غير المُخَلِّص

تأكدوا أن العبادة التي تجرى اليوم تشبه التي ستُجرى غدا وبعد غد، تلك التي تُجرى الثلاثاء تشبه التي تُجرى الجمعة والتي تُجرى الأحد وسواها من الأيام، محورها وكل ما يدور حولها مُكرَّس للثالوث الأقدس العظيم وحده. فيكون الآن وكل أوان:

لله الآب والابن والروح القدس كل مجد وإكرام من الآن وإلى الأبد

 

حلب 20 تشرين الثاني 2009