ترتيل أم طرب

مَالَ الترنيم – كلمات وألحان – منذ سنوات نحو طريق جديد لم يَأْلَفه الغناء الكنسي. وبينما كُنا نَحَار بين مصطلحي الترتيل والترنيم، وما يعني كلّ منهما، يبدو أنّنا مع الـمَيل الجديد، مُضطرون لإضافة مُصطلح جديد للغناء المسيحي ألا وهو "الطرب"!

ولنبدأ مِن المصطلحين القديمين: هل هناك فرق بين الترتيل والترنيم؟ في الواقع شَغَلَ بالي هذا السؤال وقتاً ليس بقليل، لكنّني لم أجد جواباً يُفرّق أو يساوي بين الكلمتين. على أنّني وَجَدتُ فرقاً على الصعيد الشعبي، بمعنى ما اعتادتْ عليه شرائح كثيرة مِن المسيحيين. فكثيراً ما تَشعرُ أنّ التصنيف الشعبي والعفوي، يَجْعلُ "الترتيل" وَصفاً لكلّ ترنيمة رَصينةِ الكلمات واللّحن وعريقة في الزمن، بينما يُخَصّص ذلك التصنيف "الترنيم" وصفاً للأغاني الروحية ذات الطابع الشعبي. ومِن منظور آخر للموضوع، ترى البعض يَصفُ الترانيم التي يقوم عليها الطقس البيزنطي أو السرياني مثلا، بأنّه ترتيلاً، وكلّ ما عداه ترنيما!

في كلّ الأحوال، أعتقد أنّ الطريقَ التي مال إليه الغناء الديني المسيحي في السنوات الأخير، يَدفع التّصنيف نحو فئات جديدة مِن التصنيف.

فمتى يمتنع عن الغناء "العادي"، شاب يملكُ صوت مطربٍ محترفٍ كزياد شحادة، ليحصر موهبته المميزة بالترنيم فقط...

ومتى تشبه الترانيم، موسيقى وألحان، ما تَنْحَى إليه الأغاني العادية، ويُصيبها ما يصيب تلك مِن "موضة" أنواع موسيقى، وأنواع إيقاعات، وأنواع قصائد غنائية وحتى الفديو المرافق للترنيمة...

ومتى يصبح للترنيم محطات تلفزيونية خاصة أو مواقع عديدة جداً على الإنترنيت...

ومتى تُعْقَد حفالات وسهرات خاصة يُحييها مرنم مع فرقة موسيقية، يحضرها مئات المستمعين مِن الملتزمين كنسيا، وممن الكنيسة عندهم مناسبات سنوية...

هذا كلّه وغيره، يجعل الغناء المسيحي يتجه نحو تصنيف جديد لا يُشبه ما اعتاد عليه أجدادنا وآباؤنا، والجيل السابق لأجيال الانترنيت.

والمسألة في الواقع متعددة الأوجه والمباحث، لكنّني أرغب أنْ أنظر إلى وجهٍ واحدٍ مِنْ وجوه هذه المسألة، ألا وهو "الطرب". هل نحن متجهون نحو طفرة مسيحية، تجعل الترنيم نوعا مِن "الطرب" المسيحي؟ وهل يمكن أنْ يتحوّل الترنيم إلى طربٍ؟ وما المانع مِن "الطرب" المسيحي؟

بِغضّ النظر عن بعض الترانيم التي لا تتعدى أنْ تكون ألحانها "تجليطة" موسيقية، أو كلماتها لا تتجاوز "صف الحكي" بقليل، مع أخطاء لاهوتية وتعليمية من وقت لآخر. فإن السؤال الذي يلح عليّ الآن هو:

لماذا نقبل أنْ يَطْرَب المسيحيون على أغنيات وأصوات مغنين مكرسين لكل شيء، ما عدا الإيمان. ولا نُشجع بالمقابل طرباً مسيحياً يُقابل الطرب العالمي، ويُغْنِي عن الاستمتاع بالأول؟

لكن هل سيَقْبَل المسيحيون أنْ يَطربوا أو يَسهروا على أغانٍ روحية بَدَل الأغاني العادية، أو على الأقل أنْ يصرفوا السهرة بالإستماع إلى نَوعَيْ الأغاني؟

ماذا سيكون ردّ الفعل إذا تحمّس البعض وقام للرقص؟ للدبكة مثلا؟ كما يحصل ببعض سهرات الترانيم؟ وماذا لو أنّ الترنيمة كانت شرقية بالتمام، وقامت إحداهن أو بعضهن لـ "الرقص"؟

أعتقد أنّ الترنيم يذهبُ في مَناحٍ جديدة على المفهوم المسيحي، وربما هي ليست جديدة بالتمام، فلعلّها تُشبه ما حَصَل مع الترنيم يوم نَشَأ. فأظنّه بَدَأ مع ترنيم المزامير على الطريقة اليهودية بين المؤمنين مِن خلفية يهودية، ثم ما لَبِثَ أنْ بَدَأ يَسْتَخدِم ألحاناً شعبيّة مِن هنا ومِن هناك بِـحسب الشعوب التي تُقْبِلُ إلى الإيمان، وبحسب نَظْمِ تلك الشعوب للغناء والشِّعْر.

فهل سيَكون هذا الـمِنْحى الجديد للترنيم والغناء المسيحي نِعْمةً للمؤمنين والكنيسةِ، أم تَعَباً يُضاف على كاهِلِها؟

كالغري 6 تشرين2 2015