الخطبة والزواج

هناك فرق بين الخطبة والزواج يبدو أنه بدأ يختفي بفعل عوامل عديدة، منها زيادة العلاقة والتواصل بين الشباب (الذكور والإناث)، والغزو الإعلامي الذي يغسل أدمغتنا ليلا ونهارا عن طريق التلفزيون والانترنيت.

لكن ما الفرق بين الخطبة والزواج؟ ومن أين نأتي بمكونات ومضمون كل منهما؟

من الناحية المبدئية المجردة، الفرق بين الخطبة والزواج كامِنٌ في السكن المشترك والتواصل الجسدي. وقبل أن تستغرب هذا التعريف "الأوّلي" أرجو أن تصرف لحظات في إعادة قراءته والتفكير به. فما أردتُ قوله في هذا التعريف "الأولي":

إنّ الخطبة كلام عن علاقة، والزواج تحقيقٌ وتنفيذٌ للعلاقة.

لهذا يمكن اختصار قِوام الخطبة إلى درجات دُنْيا، أما الزواج فلا يمكن أنْ يَنقص عن سَكنٍ مشترك وعلاقة جسدية!

ولهذا يمكن الاستغناء عن الخطبة، أمّا الزواج!

كل هذا كما قلت في البداية هو من الناحية "المبدئية المجردة"، لأنَّ المجتمع وأيضاً الكنيسة – مع الأسف - أضافا على الخطبة والزواج مكونات ومقوّمات لا طائل منها ولا فائدة ترتجى فيها، تحول معظمه إلى عبءٍ تَنُوء تحته العائلات والشبان والشابات.

كيف يمكن أن نخرج مِن تحت هذا العبء الثقيل مِن ناحية، ونعود بالخطبة والزواج إلى صورة أقرب إلى الصورة المبدئية مِن ناحية أخرى؟

أعرض هنا بضعة أفكار، متمنياً أنْ يتمعّن بها الشباب جيدا.

لنتذكر أن معظم – إن لم يكن كل – ما نحافظ على إتمامه في الخطبة والزواج، وهنا سأخصص الحديث بالأكثر عن الخطبة، هو عبارة عن تراكمات لعادات اجتماعية لا فائدة من معظمها! و أشدد بالأكثر على "معظمها" بالعلاقة مع "عادات المجتمع" ومع "لا فائدة منها".

فتحولت بعض الخطوبات أو بعض تفاصيلها إلى ما يشبه تفاصيل حدث الزواج، مبالغة اجتماعية مضارها أكثر من فوائدها. فهي باب لمصاريف هائلة، ومنافسات عائلية تافهة، والتزامات لا حاجة لها، وصراعات لا نهاية لها عند فسخ الخطوبة. وهذا كله لأنَّ الموضوع لا يعدو كونه "خطبة" وليس زواج!

ولكم أستغرب من المجتمع المسيحي، ومنه تلك الفئة التي تصنف نفسها بحالة الإيمان المميزة في الوسط المسيحي، لاستمرار غرقه بعادات اجتماعية سخيفة، إما ورثها من بين ترهات الوراثات العثمانية، أو استنبطها خلال السنين الماضية واستسلم لها بدون تفكير.

استغرب جدا بأشخاصٍ يدّعون التجديد بالروح القدس، وسواها مِن الأوصاف، وصولا إلى "تجديد الذهن" الذي يفترضه الكتاب المقدس، لكنهم لا يستطيعون أن يجددوا – لن أقول المجتمع – بل بعض عادات المجتمع التي أقلّ ما يمكن أن يقال بها: يمكن الاستغناء عنها ببساطة.

أين المسيح الذي أتى لكي يصنع ثورة في حياة الناس، ويبدل مفاهيمهم وطريقة تعاطيهم مع مجتمع مملوك من عادات باطلة؟

لنتذكر أيضا أنه لا إشارة للخطبة في العهد الجديد على الإطلاق. ولن أتحدث هنا عن الزواج الذي لا يتحدث عن تفاصيله العهد الجديد سوى في أمور عملية قليلة جداً، مثل وحدانية الزوج والزوجة، قداسة العلاقة الزوجية والسعي الدؤوب للارتقاء إلى عائلة تعيش للمسيح وتخدمه.

إنّ تكبير مشروع الخطبة وتفخيمه عن طريق صَبْغِه بصِبْغة كنسيّة أو روحية، لن يقدم ولن يؤخر في كون الخطبة محاولة بين اثنين لاتخاذ قرار السكن المشترك.

فأولئك الذين يُفكرون أنّ قسيساً يحضر الخطبة ويصلي على العروسين أو الخاتمين او الراقصين أو المشروبات التي لا تليق، سوف يجعل الخطيبين يلتصقان ولا ينفكان حتى الزواج، أو الذين يفكرون أنّ الخطبة كالزواج لا يجوز إلغاءها، ولا فسخ تعاقدها، هم مخطئون في الحالتين.

فالخطبة ليست تحركا كنسيا بمعنى أعمال وخدمات الكنيسة، ولا هي عقدا لا كنسيا ولا مدنيا بأي حال من الأحوال.

إنّ وضع برنامج "روحي" لحدث الخطبة، ربما يتضمن حضور شيوخ الكنيسة، أو القسيس للصلاة وطلب البركة على التحرك الجديد في حياة الشابين، أمر جميل ومطلوب، لكنه ومهما كان لن يجعل الخطبة حدثا فريدا، سيفوق بعد قليل حدث الزواج إذا استمرينا بتفخيمه وتضخيمه كما نفعل اليوم.

إنّ الانتباه إلى انعدام البعد الكنسي والكتابي للخطبة، يعود بنا تلقائيا إلى نقطة البداية، أي إلى تذكر الفرق بين الخطبة والزواج.

فالخطبة ليست دائمة أو مُلزمة كما عهد الزواج، لهذا فإن المضامين التي "نشطح" في حشرها في الخطبة، يجب أن تكون في حدود المنطق الذي يحكم علاقة ليست دائمة ولا مُلزمة، وأنا لا أقول هنا لِيَخُض الشبان تجارب خطبة قدر ما شاءوا – أبداً، بل إنّ تشديدي يقوم على مقارنة ديمومة الزواج بـ "المؤقت" الذي يحكم الخطبة.

وهي مجردة عن التواصل الجسدي، المكنوز للزواج. وأنا لا أقصد هنا "الجماع" وحسب، بل أقصد أي تواصل جسدي. بمعنى آخر مِنْ غير المتوقع أن يتواصل الخطيبان جسدياً كيفا شاءا، على أساس أنهما لا يرتكبان – حماقة – جنسية! فالقضية ليست فقط اتصال جنسي، وإنما التواصل الجسدي الذي لا يمكن وضع حدود له على مرِّ الزمن، فذلك الذي "حضن" خطيبته اليوم وغدا، ماذا سيفعل بعد غد؟ والذي قبل خطيبته من ... من أين سيقبلها بعد غد؟

هل هذه عُقد؟ ربما في تصنيف البعض، ولكنها في عرف الكتاب المقدس، هي حفظ الشخص "عذريته" في أنقى صورة إلى يوم الزواج. ولماذا نضع أنفسنا في مدخل تجربة لا نعرف أين تقودنا؟ ولعلك أنت قارئ هذه الكلمات تكون أقوى شباب عصرك ضبطا للنفس، لكن لماذا تريد أن تجرب نفسك؟

أنا أخاطب في هذه المقالة أولئك الذي يدَّعون أنهم يُملِّكون المسيح على حياتهم، ويعتبرون أنفسهم قد صاروا أولاداً لله كنتيجة حتمية للإيمان بما فعله الرب يسوع على الصليب من أجل الخطاة.

أنتم الذين تصفون أنفسكم "أولادا لله" و "مؤمنين" دُوناً عن الآخرين، وتتمسكون بقول الكتاب "لأَنَّنَا إِنْ عِشْنَا فَلِلرَّبِّ نَعِيشُ، وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَمُوتُ، فَإِنْ عِشْنَا وَإِنْ مُتْنَا فَلِلرَّبِّ نَحْنُ".

هل سألتم أنفسكم عندما تزوجتم، وقبلا عندما خطبتم، وأنتم الذين ترتبون لخطبتكم، هل سألتم أنفسكم وتسألونها الآن:

كيف سأجعل حدث خطبتي ثم حدث زواجي "للرب"؟ يعني: كيف سأجعل هذا الحدث يمجد الله ويعظم المُخلِّص ويجري بنور وإرشاد الروح القدس؟

عندما ستختارون المكان الذي ستجرون فيه الحدث "السعيد"، هل ستسألون أنفسكم إن كان هذا المكان يليق بالمسيح إذا حضر؟

وعندما ستختارون اللباس الذي ستلبسونه في الحدث "السعيد"، هل ستسألون أنفسكم إن كان هذا اللباس يليق بأولاد الله أم أنه يشبه ...؟!!

وعندما ستختارون ضيافتكم التي ستكرمون بها ضيوفكم المدعوين للمشاركة في الحدث "السعيد"، هل ستسألون أنفسكم عن الضيافة التي ستلفت انتباههم إلى نعمة المسيح المخلصة؟

وإذا دخل يسوع "السهرة" فجأة، هل سيميزك ويميز "المؤمنين الآخرين" كأولاد لله دوناً عن غيركم مِن الحاضرين الذين لا يريدون أن يَقبَلوا المسيح مخلصا شخصيا، ويعطونه السلطان على حياتهم؟

أيها الأحباء، نحن مدعوون للتشبه بالقديسين وليس بالخطاة، رغبة الرب في حياتنا أن نلبس المسيح، بمعنى أن نخلع الإنسان القديم بكل عاداته وشهواته وبرامجه وأحلامه. لهذا دعونا نعيش هذه الدعوة التي يصرخ بها بولس الرسول:

"وَلاَ تُشَاكِلُوا هذَا الدَّهْرَ، بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ [عاداتكم، أفكاركم، كثير من مسلمات مجتمعكم] لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ"

حلب أيار 2012