إلى أين يا أغاني؟

مساء أمس كنت أتابع على القناة السورية، حفل "صدى" للفرقة السيمفونية السورية، وكان كل شيء رائعا: ترتيب المسرح، أناقة العازفين والقائد، وطبعا جدا الموسيقى ومهارة العزف.

وبينما كنت أتابع فجأة – خربت على نفسي – بأن تذكرت عشرات قنوات الأغاني العربية التي تملأ ترددات الأقمار الصناعية، وقلت في نفسي: "يا إلهي إلى أين تأخذنا تلك القنوات؟"

فما تفعل تلك القنوات – وبعض أصحابها من المسؤولين العرب وبعضهم من المليونيريين - بشبابنا يوميا، ليس أقل أذية "ثقافيا" مما تفعله إسرائيل بنا.

وبدا لي أن هذه القناة السورية – المسكينة – هي اليتيمة الوحيدة التي ما تزال تصرخ ولا من مجيب، فيما تنتقيه من برامج وأغاني ومسليات، مقابل تلك المحطات المخيفة.

فكلمات الأغاني باتت حالة مزرية حتى النهاية، ليس لأنها كسرت أوزان الشعر، أو أهملت القوافي أو استخدمت العامية، بل هي حالة لا يمكن وصفها، من اسفاف في كلمات بلا أي معنى لغوي على الإطلاق، وإن احتوت فستكون كلمات معيبة أو تلمح لأمور نستحي أن نلمح إليها تلميحا في بيوتنا!

وألحان تلك الأغاني، معمولة ليفقد الناس وخاصة الأولاد كل حس موسيقي سليم، ولتعدم كل محاكمة موسيقية لدى الجيل الناشئ!

أما فيديو تلك الأغاني، فهي الطامة الكبرى، فيبدو أن معظمها قد صُمِّم ليساعد أولادنا على فهم وعيش حالة "الكابريه" في البيت والمدرسة والشارع!

هل حقا لا يستحي المشاركون بهذه الصناعة؟

في الماضي القريب، عندما بدأت المحطات التلفزيونية الخاصة تعمل، تنفسنا الصعداء، وشتمنا المحطات التي تسيطر عليها الحكومات، وكلنا قلنا: يكفي، اتركونا نستمتع "على كيفنا"، ولم يخطر ببالنا أن أصحاب تلك المحطات معدومي الضمير والأخلاق.

هل شاهد أحدنا يوما على تلك المحطات - وهي تعد بالعشرات – أغنية لمطرب حقيقي أو مطربة حقيقية؟ هل شاهد فقرة واحدة على مدار الأربع والعشرين ساعة تعرض نوعا من موسيقى كلاسيكية أو حتى موسيقى عادية ذات قيمة موسيقية حقيقية؟ هل من أغنية تتحدث عن قيمة أخلاقية أو اجتماعية أو ثقافية أو حتى وطنية؟ لماذا؟

آه، نعم غنوا بعض الأغاني الوطنية يوم دُمرت غزة، أو يوم دُمرت بيروت، وكلنا شعرنا كأن شيئا غير طبيعي قد حدث، فببساطة قد عودونا على التافه!

لماذا؟

أليس لأصحاب تلك الأغاني والمحطات التلفزيونية أولادا؟ لن أسألهم عن ابناء أوطانهم، لكنني أسأل عن أولادهم.

أي أولاد تربون في بيوتكم، وغذاء أنفسهم، ومادة نموهم للمستقبل هذه الترهات التي تخرشون حياءنا وملكاتنا بها، والتي تسمونها "أغاني"؟ أي أولاد تربون، وكيف ترون مجتمعاتكم بعد بضع سنوات من التغذي على هذه الأغذية الفاسدة؟

من الخارج تحاربنا إسرائيل ثقافيا، ولكن ويل لنا فبعض القادرين بيننا يحاربوننا من الداخل. تخيلوا أولادنا، يعني تخيلوا الأولاد والشبان والشابات بعد عشر سنوات، من متابعة كل هذه الخلاعة الموسيقية والصوتية والجسدية، كيف سيكون شكلهم، وبالتالي كيف سيكون شكل مجتمعاتنا؟

عن أية قيم سيدافعون، وأية مواقف "حياتية" سيأخذون؟ لن أقول يوميا، بل على الأقل ساعة الحاجة والضرورة؟

 

حلب 3 حزيران 2010