إصلاح الإصلاح

بدون مقدمة أدخلُ صلب موضوعي بالسؤال:

نحن الذين أتينا مِن الإصلاح أو بعده بقليل أو قبله بقليل، هل ما نزال نحبُّ الإصلاح؟ أم بِتنا نخاف "الإصلاح"؟

ولا أقصد أن نخاف أو لا نخاف مما ورثناه من ذلك الإصلاح، لأنَّ ما قدمه أبطال تلك المرحلة كان وسيبقى أسوار أمان من العودة إلى ما كان مخالفا للكتاب المقدس، ومن الانزلاق إلى مهالك من نوع آخر.

أما خوف الإصلاح الذي أتحدث عنه، هو الإصلاح كحالة لابُدَّ أن نُعرِّضَ أنفسَنا وكنائسَنا لها ككائنات حية، حيث ميزة الكائن الحي النمو والتبدل والاستمرار بالنضج.

ولأنَّ الكنيسة كائن حي، لكنه لا يشيخ، ومن ثم يموت؛ فمن المتوقع أيضاً أنها تستمر بالنمو والتبدل والاستمرار بالنضج. ولكن حتى متى؟ ببساطة ما دامتْ بالحياة، وهي ستبقى بهذه الحياة مادام المسيح لم يرجع!

لكنَّني أسأل نفسي: ماذا تبدَّل، وما الإصلاح الذي أجريناه منذ حصل الإصلاح؟ وإن كان الجواب كلا، أو نادرا أو قليلا، فلابد إذا أن نسأل أنفسنا: هل هذا يعني أننا أصبحنا طقسيين؟ بمعنى أننا نكرِّر ما كرَّرناه منذ أنْ وُضِع؟ هل أصبحنا تاريخيين بمعنى نُعِيد حالة تاريخية بشكل دائري، ونحن نؤمن أن التاريخ يسير بخط مستقيم؟

والواقع أعتقد أننا لم نُطلِق إصلاحاً مُنذ حَصَلَ الإصلاح!

أمّا أولئك الذين أجروا إصلاحاً أو تعديلاً أو تغييراً عمّا صُنع في الإصلاح، فقد حنَّطوه، وكرَّروه وكرَّروا أنفسهم معه، وباتوا يخشون تغييره وإصلاحه كما يخشى الآخرون على ما يفعلون، وعليه نقع في الدائرة المغلقة عينها.

وحتى لا يعتقد أحدٌ أنني أغمز من نحو كنيسة ما، أوجه الكلام للمعمدانيين، مع أنهم برأيي من أكثر الجماعات حركة وتغييرا.

لقد بِتْنا بشكل أو بآخر نتفاخر أنّنا نتمسَّكُ ببيان الإيمان الذي صدر منذ مائتي عام أو ربما ثلاثمائة، ونؤكد أننّا نتمسّك حتماً بمصطلحات وعبارات قِيلت في البيان الفلاني، أو في المجمع الذي انعقد في المدينة الفلانية منذ بضعة مئات من الأعوام.

هل قوَّتُنا في التَّأكُدِ مِنْ عدمِ تغيير أيَّ شيء،

أم قُوَّتنا تَكمُنُ في استلهام لاهوتنا وتعليمنا وطرق عبادتنا من واقعنا الحالي،

أو على الأقل من الماضي القريب؟

أم شرقيتنا؟

أم خبراتنا كإنجيليين في الشرق؟

لنأخذ بعض الأمثلة البسيطة، وربما يراها البعض سطحية!

في لحظة من تاريخنا، وهي لحظة قديمة جدا، بعضنا رفض اللباس الخاص بخدام الإنجيل، وبعضنا تمسك بشيء منه،

وفي نفس اللحظة أو ربما بعدها بقليل، تبنى بعضنا أفكارا اسخاتولوجية، وبعضنا أفكارا أخرى،

وعلى منواله، بعضنا حصر الخدمة في الكنيسة بفئة تحمل لقبا ومؤهلا محددا، وبعضنا أعطاها لمن "هب ودب"،

وبعضنا فهم الكرازة بشكل، وبعضنا طبقها بشكل مغاير،

إلى ما هنالك من تعاليم وأفكار وتطبيقات كثيرة، تنتمي بمجملها أو بمعظمها إلى لحظات الإصلاح الأولى، واليوم نهيّئ الجو والمكان لتوريثها لأولادنا!

تخيَّلوا أنَّ كثيراً من الكنائس والإرساليات التي أعانتنا على تأسيس خدماتنا في هذا الشرق، أجرت على نفسها إصلاحا وربما إصلاحات، لعلنا لن نعرفها ولن تعرفنا اليوم!

هل نحن نِتاج كنائس مُصْلَحَة ومُصْلِحَة حقاً؟

هل نحن إنجيليون بمعنى أننا نتلمَّس هُدى نصوص الكتاب المقدس و نمشي بنورها اليوم؟

هل نحن بروتستانت بمعنى أننا نحتج على كل ما يخالف الكتاب المقدس، وما تحول في حياتنا الروحية والكنسية إلى روتين يحبسنا ونخشى تغييره وتعديله؟

دعوني أخبركم عن حديث دار بيني وبين أحد خدام الإنجيل الأفاضل، وقد بَدا حديثُه للوهلة الأولى كأنه ضرب من خيال أو حلم غريب أقرب للكابوس، ولربما بدا حديثي كذلك له، والحديث موضوع هنا بتصرف!

كان بلطافة وعفوية وتلقائية، كَمَنْ يُكلِّم نفسه بصوت مسموع، وهذا ما أكبره في عيني!

قال لي بلغة الاستفهام التي لا تريد جوابا:

من قال أننا لا يجب أن نرسم الصليب على وجوهنا، على الأقل في أثناء العبادة، ولو لمرة واحدة؟ ولما يجب ألا نلبس لباسا خاصا يميزنا، ونحن في كل حال مميزون في الخدمة المعطاة لنا، والتي نقوم بها؟

ما المشكلة لو أننا وضعنا في الكنيسة صورة ولو واحدة تصور المسيح أو على الأقل حدثا أو مشهدا من مشاهد العهد الجديد؟

أما أنا فقد كنت أقول له:

بأيّ شكل يمكن أن نغير طريقة عبادتنا وحياتنا الكنيسة حتى تتلاءم مع العصر الحديث الذي نعاصره، ولا تكون طرقنا غريبة أو تنتمي لعصر فات؟

إننا بحاجة لنقلة من نوع ما، لا أعرف مكنونها، تستطيع أن تجيب أسئلة المسلمين والدروز واليزيديين واللادينيين الذين من حولنا ويبحثون عن أجوبة؟

هل طرق وعظنا وتفسيرنا للكتاب تتلائم والشعب الذي نعيش معه، ونحن منه؟

بعد أنْ تركتُ الرجلَ، تأمَّلْت بما تشاركنا به، وأنا في طريق عودتي إلى بيتي، وساءَلت نفس مندهشا: يا إلهي كيف يقبع كل منا في واد ويخاطب الآخر من خلف الجبل الجاثم بيننا؟

لكنني في الوقت نفسه وجدت أننا نلتقي، بالرغم من الواديين المنفصلين، نلتقي حول الإصلاح!

إن ما تحتاج إليه أحوالنا إلى حالة إصلاح تبُثُّ نفسا جديدا في خدماتنا، حالة إصلاح تفتح آفاقا جديدة حقيقية في واقعيتها وفي ملامستها لحياتنا وإيماننا وتصريحاته!

فهل لا نستطيع إصلاح الإصلاح؟

وهل هذا وقت هذا الإصلاح؟

 

حلب 31 آذار 2009