البشر والحجر

أصبح ارتباط هاتين الكلمتين لدى كثير منّا ممّلا ومزعجا، لكثرة تكرارهما، ولشدة التنازل الذي نقدّمُه يوميا مقابل الخسائر التي نتكبّدها على مدار الساعة على مدار اليوم على مدار دائرة أزمتنا التي ندور فيها ولا نَجِد للدائرة بداية أو نهاية.

كُلما وقعتْ معركة، كبيرة كانت أم صغيرة، يصلُنا التقرير أنّ المعركة اقتصرت على الماديات، ولم تقع خسائر بشرية "إلحمدلله" الحجر ولا البشر.

وكُلما فجّر مجنون نفسَه في حي مِن الأحياء السكنية، وخرّب الدنيا، وقامت الدنيا ولم تقعد، يصلُنا التقرير أنّ التفجير الانتحاري لم يُسفر سوى عن خسائر مادية، ولم تقع خسائر بشرية سوى بعض الجرحى "إلحمدلله" الحجر ولا البشر.

ومع تقديري لكل البشر، وأهميتهم كما يُعلّمنا الكتاب المقدس. ولكنْ يا جماعة ليس كل حجر حجر، وليس كل ماديات ماديات! وبينما نعتقدُ برسوخٍ شديد أنّ قيمة النفس البشرية لا تُقارن ولا يمكن أنْ تُقاس بأي مخلوق أو جماد ما مِن حولنا، فيجب ألاّ يجعلنا هذا نرى أنّ أيّ شيء آخر – عدا الإنسان – لا قيمة له.

فعندما يُدمَّر موقع أثري يشهدُ على بضعة مئات مِن السنين، فهذا ليس حجر – ككل حجر،

وعندما يُسوى مبنى يخزّن شهادة على بضعة آلاف مِن السنين، فهذا ليس حجر – ككل حجر، بل لعلّه بقيمة البشر الذين دمروه أو يحيطون به!

فما نفعُنا نحن البشر بلا ذاكرة تقول مَن نحن، مِن أين أتينا، ومَن كُنَّا، وماذا فعلنا؟

هل نبقى بشراً إذا ما دسنا ما كدّسناه مِن نتاج "بشريتنا"؟

هل قيمتنا بلا ذاكرة ولا شاهد ولا برهان، تعادل – فعلا - قيمتنا بذاكرة وشاهد وبرهان يُسطّر ملايين مِن الصفحات؟

"إلحمدلله" الحجر ولا البشر!

وهكذا احترق سوق "المْدْينة" مُنافس أسواق العالم بالقِدم، وسوّيت بالأرض بيوت كانت تحتفظ بأصوات وأنفاس عشرات الأجيال مِن العائلات التي سكنتها عبر المئات التي مضتْ مِن السنين، وتهشّمت دور عبادة تُشبه البشر إذْ لا شبيه لها في العالم، و ...

ولعلك ستقول لي: وما نفع هذه بدون البشر؟

وأنا سأقول لك: هل تقبل أنْ نكون متعادلين بسؤالَيْنا؟

مع أنني أعتقد راسخا أنّ المشكلة ليست في كَون الحجر الذي نتحدث عنه "حجر" بل هو قيمة إنسانية لا تُثمّن ولا نَظير لها وحتما لا بديل.

أم لعلّهم لأجل هذا يَقصدون – بتصميم – طَمس هذه الذاكرة التي تجعل مِنّا بشراً بشر؟

حلب 8 كانون1 2012