من اسمه الله؟

غريبة جدا الأخبار الآتية من ماليزيا !

وهي غريبة لأنها تولِّد في قارئها دهشة واستغرابا واستهجانا وغضبا، لشدة بدائية مبتكريها، وجهل مروجيها، ورعونة الحريصين عليها.

فلقد سنت الحكومة هناك قانونا يمنع غير المسلمين من استخدام اسم "الله"، ولم نفهم مَن يستخدم مَن، هل الحكومة تستخدم بعض رجال الدين الجهلاء لتمرير رغباتها، أم بعض رجال الدين المغرضين يستخدمون الحكومة لتحقيق مآربهم؟

على كل حال واضح أن الطرفين يحاول أن يضع "مسمار جحا" في حائط ما، والعالم وخاصة العرب منه، يستخف بهذه المهزلة التي تُمارس هناك.

وأنا أقول العرب يستخفون بهذه المهزلة، كون العرب، مسلمين أو مسيحيين أو سواهم من أتباع ديانات أخرى، يعرفون تاريخ لغتهم وسطحية تعامل أولئك معها.

فأولئك لا يعرفون، أو ربما يعرفون ولكنهم يتجاهلون، وهذه جريمة أكبر! أن اسم "الله" الذي يستخدمه العرب المسلمون، وإن شئت المسلمون عامة، ليس اسما مسلماً، بمعنى أن الإسم أتى أو ظهر مع ظهور الإسلام!

فالعرب المسلمون طبعا استخدموا الاسم، وتحول لديهم لفظ جلالة، وهكذا انتقل إلى المسلمين غير العرب.

ولكنَّ العرب قبل الإسلام وأقصد عرب ما يُسمى "الجاهلية" في الجزيرة العربية استخدموه، بل وألحقوه بأسمائهم تماما كما نفعل اليوم كاسم "عبد الله " مثلا.

 ليس هذا وحسب،

بل إن العرب المسيحيين كانوا أيضا يستخدمون الاسم عينه قبل الإسلام بقرون، وذلك منذ أن تركوا الأوثان إلى عبادة الإله الحقيقي، وسموه "الله" منذ فجر المسيحية أي منذ القرن الأول، واستمروا على هذا حتى اليوم.

وإن كان – ربما – يجهلون أو يتجاهلون ما سبق،

فأنا أعتقد أنهم يجهلون بالفعل أن الإسم إنما هو أقدم من بدء الإسلام ومن بدء المسيحية نفسها. وأن الجذر (ا ل هـ) الذي أتى منه لفظ الجلالة في العربية، هو نفسه في اللغات السامية المعروفة الآن كالسريانية والآشورية والآرامية والعبرية في المنطقة قبل الميلاد ببضعة آلاف من السنين! وسواها مما اندثر ونقرأ عنه في بقايا المدن الكنعانية – الفينيقية، وماري وسواها.

فماذا يفعل أولئك الناس؟

هل حقاً يُدافعون عن رب العالمين وعن اسمه؟ أم أنهم يبتكرون سبباً يُضيّقون فيه الخنَّاق على غير المسلمين وخاصة المسيحيين في تلك البلاد؟

ألا يوجد حقاً رجلُ دين عالم مسلم عربي يتبرع أن يفهمهم ويعيدهم عن غييهم ويرشدهم إلى الصواب؟!

إنني أناشد علماء الإسلام في بلادي، بلاد الفكر والثقافة والعلم أن يكتبوا لهم ويشرحوا لهم أن الإسلام لم يبتكر الإسم، بل أتى به من تراث العرب وأضفى عليه صبغة خاصة تبعده عن الوثنية والاستخدام الخاطئ، تماما كما فعل الإسلام بأمور أخرى كثيرة. تماما كما فعلت المسيحية.

فالأديان لم تأت بكل ما هو جديد ومبتكر كليا، بل كثير مما لديها إنما مما كان بين يدي الناس،أخذوه وفرزوه لمعان خاصة جديدة وسامية.

وَقَانا "الله" الجهل والتعنُّت، وَزَادَ علينا العِلم والفهم والعفاف.

 

حلب 15 كانون الثاني 2010