الإصلاح

قصة تغيير لم تُكتب نهايتها

 

يُذكِّرنا أحد الإصلاح بأبطال الإيمان، وبالتحديد يذكرنا بمارتن لوثر وذلك الرعيل الذي أوقد المشعل وحمله بكل جرأة ودأب واجتهاد. قصة الإصلاح تخبرنا على أربع عوامل لا يقوم إصلاحٌ بدونها، ولا ينجح إصلاحٌ مع عدم توفرها، هي:

أن الإصلاح يحتاج إلى بطل.

يحتاج إلى شخص رأى وسمع وعايَش الحالة المزرية التي تحيط به، وتـجرّأ ببطولة على مواجهة تلك الحالة.

لا يولد الناس أبطالا، لكنهم يتواجهون يوما مع حالة لا يمكن قبولها ولا يمكن التعامل معها، فيقرر واحد أو مجموعة منهم على مواجهة تلك الحالة. ويبدأ المحيطون بالانسحاب، ويبدأ ذلك المواجه بالتقدم. وتبدأ الإعتراضات بالتزايد، ويبدأ ذلك المواجه يزداد رغبة بالرد ويزداد رغبة بالتغيير وتزداد رغبته وجرأته وإقدامه حتى يقف في مُقدم الصف، ويراه المحيطون به كبيرا، ويرى نفسه قويا – هذا هو البطل الذي ينتظرُ الإصلاحُ ظهورَه ليُعْلِن لحظة البدء!

أنت هو ذلك البطل الذي يُنتَظر سماع صوته ملبيا سؤال الرب: "هأنذا أرسلني".

نعم، أنت لم تولد بطلا، كذلك لم يكن والديك، كذلك كان إشعياء ومارتن لوثر. لكن يوم ترى الحاجة للإصلاح، ويوم ترى الـمُحْجِمين أكثر مِنَ الـمُقْدِمين، ويوم تُصدِّق ما يمكن أن يُفعل مِن خلال الروح القدس وبالتالي تلبي قول الرسول "أَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا"، ساعتئذ ستجد نفسك بطلا، كذلك سيَجدك مَن هم حولك!

والإصلاح يحتاج إلى رأي.

إنه ليس رفضاً مِن أجل الرفض، ولا اعتراضاً مِن أجل الإعتراض. ولا هو ثورة كالتي شهدتها بعض الأمم، حيث دمرت وخربت أكثر مما أصلحت وبنت!

عندما سُمح لبطل الإصلاح أنْ يقرأ في الكتاب المقدس، وَجَدَ الخطأ في التعليم، والإنحراف عن العقيدة. إستطاع أن يُسمي الخطايا التي عششت بالناس والكنيسة. في الواقع وَجد نفسَه وأفكاره وعبادته لا توافق تعليم الكتاب المقدس. فما كان منه إلا أن وضع رأيا جديدا يتوافق مع رأي الكتاب المقدس، وتعليما لا يستمد أجزاءَه إلا مِن نفس الكتاب، وعبادة لا تمجّد سوى شخص الفادي وحده!

فالإصلاح ليس عملا عشوائيا، غوغائيا ولا هو فورة مشاعر متأججة تبغي تغييرا ما. بل هو حالة فكرية عميقة لها إستقرار في عمق الكتاب المقدس، ورؤيا واضحة للشر أو الفساد أو الابتعاد عن الله وخطة خلاصه. الإصلاح يعني أنك رأيت ودرست نفسك، كذلك رأيت ودرست كنيستك، كذلك رأيت ودرست مجتمعك وبيئتك وبلادك، وبالتالي شخّصت المرض ورأيت طريقة إصلاحه.

والإصلاح يحتاج إلى ثمن.

تخيل إشعياء وهو يقف على مكان مرتفع وينادي على العابرين من شعبه الغارقين بالتدين والطقسية "اسْمَعُوا سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ تَعْرِفُوا" بمعنى: إنكم تسمعون ولكنكم لا تفهمون ما تسمعون، ومع أنكم ترون لكنكم بالحقيقة عميان! أنتم الذين تعرفون كل الدين، بالحقيقة أنتم لا تعرفون شيئا!

تخيل معي مارتن لوثر، وهو في عقر دار التدين المسيحي الطقسي، وأمام حماة فساد الكنيسة، يذهب إلى الساحة العامة ويعلق لوحة على جدار، تحمل اعتراضاته ويشرح فيها فساد تعليمهم.

هل تتخيل أية ردة فعل واجَهَ؟ وأي شكل مِن اضطهاد أصابه؟ لكن الرسول قال "جَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ". نعم هناك ثمن يجب أن تدفعه يوم تتحول إلى بطل يملك رأيا ويريد أن يواجه مجتمعه وبيئته بما لديه. لا يعرف التاريخ أبطالا لم يدفعوا أثمانا باهظة لبطولاتهم. ولم يشهد التاريخ بطولات لم تتزين بالعرق والدم.

والإصلاح أخيرا قصة بلا نهاية.

قصص البطولات الحقيقية لا نهاية لها. فالإصلاح ليس قصة مارتن لوثر، الذي مات وكُتِبَتْ نهاية لحياته وأعماله، وليست قصة جون كالفن، الذي مات وكُتِبَتْ نهاية لحياته وأعماله. بل الإصلاح قصة حدث / أحداث بدأت ولم تنته بعد. قصة أشخاص بدأوا عملا وأعطوه لأبطال آخرين ليكملوا ذلك العمل.

لهذا السبب لا خاتمة لسفر أعمال الرسل. ولا خاتمة لقصة الإيمان التي كَتَبَ فصولها أبطال كثيرون، وماتزال تُكتب لها فصول أخرى، وستبقى كذلك حتى عودة الرب.

يوم تظن نفسك أنك أنهيت الأعمال البطولية المنوطة بك، اعلم أنك لست بطلا. يوم تظن أنك وصلت إلى سن التقاعد، اعلم أنك لست بطلا، لعلك كنت، لكنك فشلت في استمرار بطولتك!

صوت الرب الذي نادى في سفر اشعياء مُفتشا على بطل "مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟"، وَوَجَد أنذاك إشعيا، ثم مئات وآلاف بعده، حتى زمن الإصلاح، ما يزال ينادي اليوم مُفتشاً على بطل يدعوه للوقوف وتلبية الحاجة.

هل تجد نفسك مُترددا كما كان جدعون مترددا وخائفا وهو يظن أن الأصوات اختلطت عليه؟ اطلب منه إعلانا وجرأة ولحظة بدء وانطلاق، لكن لا تطلب نهاية ولا حتى تصورا لنهاية ما للبطولة التي يعلنها لك.

 

كالغري 27 تشرين1 2019