تبويس شوارب

[تأخرت المقالة حتى اليوم 11/5 لسبب قطع شركة الموبايل "المحترمة" الانترنيت بدون لا إحم ولا دستور، وما يزال!!]

البارحة تبادل الفتحيون والحماسيون القُبل بعد مقاطعة سنوات كان قوامها تبادل الاتهامات من أدناها وصولاً إلى العمالة لإسرائيل، عدا الشتائم والتشهير وسواها من أدوات حرب الخصام السياسي.

والآن إذ قَبَّل كل "رجل" شوارب الآخر، إذاً عفا الله عمّا مضى، وبدأ الطرفان يأمل - خاصة الفقراء والمساكين والمناصرين العاديين ومَن لفَّ لفيفهم بأن مفعول هذه القُبَل سيدوم طويلا.

وأُسارع بالقول – لأجل اختصاصيي الماء العَكر – لست أُقلِّل مِن قيمة هذا التحرك الذي تمنيناه طويلا وحَزنا على فقدانه وعلى فلسطين التي زاد تشتتها بفعله، مع أنني ما زلت لا أستطيع أن أفهم كيف للمنظمات الدينية أن تعمل بالسياسة! على كل حال لنعود للقُبَل.

أَيقظَ الحدث في ذهني القُبَل العربية مِن المحيط إلى الخليج منذ نشأت دُولنا ودويلاتنا وإقطاعياتنا العربية وحتى الآن، ممّا عاصرته وعاينته، أو ممّا نقله لي الأهل والناس والصور وقراءة التاريخ. ويبدو أن ابتسامتي كانت أكبر مِن ابتسامة عادية حتى سألني ابني ماذا حدث لماذا تضحك؟ وخجلت أن أخبره بما تذكرت، وبما تحمل صفحات تاريخنا القريب

من القُبَل المسائية والشتائم الصباحية،

من قُبَلٍ أمام الكاميرات وطعنات خلف الكواليس،

من قُبَلٍ مع تواقيع وأختام ومؤامرات بعد وضعها على الرفوف أو في الأدراج ... ومع هذا ما زلنا نتشاجر ونتعارك ونتطاحن و ... ونُقَبِّل شوراب بعضنا البعض!

عفوا، لمن لا يعرف من العرب، فإن مصطلح "المحيط إلى الخليج" مصطلح كنا نستخدمه للتعبير عن امتداد بلاد العرب.

من المحيط إلى الخليج، إمّا داخل الدولة الواحدة، أو بين دولتين حدوديتين، أو بين دولتين تفصل بينهما دولة أو أكثر أو ربما من قارة إلى قارة، تقاتل العرب بشتى أنواع الأسلحة، من كلام على ورق، أو كلام عبر الهاتف، أو كلام عبر الراديو والتلفزيون، أو بإرسال الإرهابيين أو حتى بالتبادل المدفعي الحقيقي والمدمر، أو حتى بالتشكي "لعمو الشرطي" أقصد أميركا، ومع كل هذا وذاك، فالحمد لله أن لمعظم المسؤولين شوارب، حيث عادوا والتقوا و "بوّس" كل واحد شوارب الثاني، وعفا الله عما مضى!

ولأن الذاكرة ليست دائما محمودة، فقد نبهتني ذاكرتي إلى جيراننا الأوروبيين، وهم وإن كانوا يشبهوننا بكثرة دولهم، لكنهم مِلَل لا نهاية لها، ويوم وُلدت "دولنا" الحديثة، كانوا قد خرجوا من تدمير بعضهم البعض، أقصد أواسط الأربعينات أي نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد حربهم الطاحنة تلك، جلسوا معاً، قَبَّلوا شوارب بعضهم البعض، ووقّعوا الأوراق و ... وماذا؟ وكان الله يُحب المحسنين! إذ كُلنا يرى ويسمع ويعرف تعاملهم بعضهم مع بعض.

وهنا تيقَّنتُ أنَّ لبَّ المشكلة كامن في "الشوارب". فنحن لا نستطيع أن نتخلّى عن الشوارب، بينما هم تخلّوا عنها منذ زمن بعيد. وهذا وجه آخر للاختلاف بيننا وبينهم!

وربما هذا هو السبب الذي يدفعنا للخصام والقتال!

وربما هذا هو السبب الذي يجعل العرب يحجمون عن توظيف النساء في الوزارات والرئاسة أو أي منصب سياسي هام، وإلا كيف سننهي الخصام!!!؟

وربما هذا هو السبب الذي نتمسك به لجعل علاقاتنا في حركة وتبدل وتغير دائم فلا تصاب بالصدأ أو التآكل!

أدام الله الشوارب في وجوهنا، وأمد بعمر مفاعيل قُبَل المسؤولين، ووقانا من قبلة تنزلق بسرعة عن خد أحد المسؤولين العرب، كما انزلقت بعض القبل السورية عن خدود بعضهم، فانتشى بأذيتنا، وتفنن بخرابنا، وابتهج بقَتْلانا!

وأدام الله مفعول قُبَل الفتحيين والحماسيين، على الأقل لأجل فلسطين المسكينة، والشعب المعذَّب.

حلب 5 أيار 2011