من مرارات الخدام

الخادم الفاشل

هو خادم فاشل، دخيل على الخدمة ولا يملك مِن مؤهلاتها شيئا يُذكر.

هكذا يُقيِّمه، ومِن هذا التقييم تبدأ رحلة مرارتِه التي تتزايد يوما بعد يوم، دون أنْ يدري سقوطه بهذه الخطية أو كأقلّ تقدير هذه الأزمة. يَنْشغل ويَصرف طاقةً كبيرة في متابعة أخبار وتفاصيل يوميات ذلك الخادم الفاشل وغير المؤهل، وكلّ محطات النجاح التي يَدَّعيها. 

ليل نهار، وفي كلّ مجلس ونِقاش ومناسبة، تَراه مَشغولاً بمتابعة أخبار جارِهِ الخادم الـمُدَّعي الخدمة، والخدمات الـمُتعثّرة التي يقوم بها، والمواعظ الركيكة التي يَعِظها، والزيارات المريضة التي يقوم بها، وسواها مِنَ النشاطات المتنوعة التي ينشغل بها ذلك الخادم الفاشل.

 في كلّ مُناسبة جاهز للحديث عن هذه الشواذات التي يُـمثّلها ذلك الخادم، في أيّ نقاش جاهز لِيُحضِرَ ذلك المسكين ونشاطاته كمثال للخادم الفاشل الذي يَنَال فرصاً لا يَستحقّها!

وهو بحسب مبرراته، لا يَهمّه ولا تَعنيه الضجة التي يَصْطَنِعُها ذلك الدخيل، فهي مجرد أصوات يُصدرها طَبلٌ فارغ الحشا، لكنه متأسف على خدمة الرب التي يشوهها هذا الشخص، وحزين على أولاد الله الذين يعذبهم ويخرب إيمانهم وحياتهم الروحية ذلك المدّعي.

هو في الواقع لا يهتمّ لأمره إلى درجة أنه لا يلتقي به – وما الفائدة المرجوة مِن لقاء هكذا أشخاص؟ ولا يعرف أخباره ولا أخبار خدماته ونشاطاته، فهي لا تَعْنيه البتة.

لكنه في الواقع، وما أن يبدأ الحديث، حتى تبدأ مرارته المخزّنة تَفُور وتخرج مع التفاصيل الدقيقة التي يُـخبِر بها زوّاره عن ذلك الخادم، وعن كل صغيرة وكبيرة، وكل شاردة وواردة في حياة وخدمة وإدعاءات ذلك الخادم الفاشل! ولن يَتَسنّى لك الاعتراض على التناقض بين – يعرف ولا يعرف – ولا حتى أنْ تُكمِلَ جُملة مِنْ مِثل: دَعْهُ لإلهه، أو صاحب  الحقل حرّ بعمّاله. حتى يَنْبري لك موضّحا مُفسّراً وشارحاً كيف أنّ قضيّتَه لا تَتَمثّل بذلك الشخص بِعَيْنه، بل بالخدمة وكرامة الخدمة، والمؤمنين وحاجتهم لراعٍ حكيم نَصُوح فَهِيم.

ويبقى هذا الخادم المصاب بِداءِ المرارة مشغولاً بشدة وبشكل مستمر بقضيته هذه، لِيَستمرّ معها تفاقم مرارته واستشراء تأثراتها في كلّ حياتِه وفي كلّ آرائِهِ وخدماته.

صديقي الخادم المصاب بهذا الداء الكريه، لِيُعْطِكَ الرب حكمة تُراقب بها نفسَك، لِتَحسب الأوقات والمناسبات والمواضيع التي تستخدمها في قضية الخادم الفاشل الذي يَقضّ مَضْجَعك، لِتَرى بِنَفسِكَ كم أنتَ غارق بهذا الدّاء، وكم أنت مملوك مِن تأثيراتِه، وكم هو متداخل في تفصيلات كثيرة داخل كيانك ووجدانك.

حلب آب 2014